- في نظركم ما هي الأسباب التي تجعل جريجي مؤسسات التعليم العالي لا يتمكنون من الاندماج في الحياة الهنية؟ ++أعتقد أن عدم اندماج طلبة الجامعات المغربية في محيطهم السوسيو اقتصادي، راجع بالأساس إلى طبيعة التكوينات التي يتلقاها الطلبة داخل كلياتهم، بحيث لا تسعفهم في الاندماج في وسطهم الاقتصادي والاجتماعي. وذلك يستدعى توفر واكتسابهم لكفايات عملية ومهنية. هذا من جهة، ولأن طبيعة تكوينهم النظري يجعلهم يستدخلون كفايات نظرية( كفاية الفهم، والتركيب والتحليل)، وكل ما له علاقة بما هو نظري. ولكن كيف يتفاعلون مع قضايا آنية مهنية، أي التعامل مع وضعيات اجتماعية واقتصادية، فالمجال المهني لا يتلقاه الطالب المغربي داخل أسوار الجامعات. ولأكون منصفا فالعيب ليس في الطالب وحده لكن العيب في التكوين من جانب، وكذا في عدم وجود مهن ومناصب تستوعب ذوو التكوينات النظرية، باستثناء قطاع التعليم "التدريس" فلا وجود لمهن تستوعب خريجي الجامعات المغربية. -هل هذا الخلل الموجود في علاقة الجامعة المغربية بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي بل أكثر من ذلك انفصالها عن حاجيات هذا المحيط، ناتج عن فشل الاصلاح الذي خضعت له الجامعة المغربية؟ ++أكيد على الجامعات المغربية أن تكيف تكويناتها مع سوق الشغل، إلا أن هذا الأمر في حد ذاته لا يجب أن تنجر وراءه بالمطلق. فالجامعة فضاء لتكوين الطلبة في تخصصات متعددة، لكنها كذلك فضاء لصناعة النخب التي تنظر وتفكر. ولذلك يجب المزاوجة بين التكوينين "المهني – النظري"، مما سيحيلنا مباشرة إلى ضرورة إدراج تكوينات جديدة ذات طبيعة مهنية، وهذه التكوينات المهنية لا يمكن للجامعة أن توجدها لوحدها بدون "تدخل الشركاء" الاقتصاديين والاجتماعيين عبر شراكات يدلون من خلالها للجامعات لاحتياجاتهم، وأن يشاركوا في بناء هذه التكوينات. وأن يفتحوا "الشركاء" أبواب مؤسساتهم للطلبة خريجي هذه التكوينات المهنية، سواء في إطار التداريب المهنية أو ادماجهم مباشرة في سوق الشغل. ولأن المسألة ليست مسألة جامعة لوحدها أو الطالب، بل هي معضلة مجتمعية معقدة وما كانت أسبابه متعددة لا يمكن أن يكون الحل فيه إلا متعدد، وأي مقاربة تحشر الجامعة في الزاوية، فهي مقاربة أحادية وليست صائبة. وأي مقاربة تخرج الجامعة من معادلاتها فهي كذلك مقاربة غير صائبة. - في نظركم هل أصبحت المسالك المهنية داخل الجامعات المغربية ضرورة ملحة؟ ++سؤالكم يحيل على مقاربة أعتبرها شخصيا تجزيئية، فالاكتفاء، بالمسالك المهنية لوحدها مستحيل لسبب بسيط هو أن لكل مهنة أساس نظري، لها علم وفلسفتها ولها طرق واستراتيجياتها وتقنياتها. وكما قلت في الاجابة عن السؤال الثاني، لا يمكن القاء اللوم على طرف والبحث عن الحلول من زاوية أحادية فهو أمر خاطئ، فالمسالك المهنية بالرغم من تسميتها بالمهنية فلها جانب نظري. وعلى سبيل المثال لا الحصر: لايمكن الحديث عن الصحافة من دون تكوين نظري مهني، فهي تنطوي على جانب نظري كأخلاقيات مهنة الصحافة، طرق تشكيل وكتابة الخطاب وضبط اللغة ... فيها أشياء عديدة لها أصل نظري، ولذلك لا يمكن بتاتا أن نكون تقنيين داخل الجامعات، فالجامعة مكان لتكوين النخب إلى جانب تكوين أطر ذات توجه مهني. والجامعة بشكل أساسي لن تتخلى عن دورها التاريخي في تكوين النخب، ولكن لابأس أن تزاوج مابين ماهو نظري وماهو مهني نظرا لمتطلبات العصر. - في الاخير هل المشكل هو في عدم ملاءمة التعليم لسوق الشغل أم أن الحقيقة هي غياب فرص الشغل؟ ++شكرا على هذا السؤال فلقد احلتني على مخرجات التكوين، عندما يكون التكوين نظري أو تطبيقي مهني، فإن سوق الشغل لا تستوعب الاعداد الكبير من الخريجين، وهذا شيء عادي، إذا كنا نتحدث عن اقتصاديات الدول النامية ومنها المغرب. فهذه الاقتصاديات بطيئة النمو، فيمكن أن تكون عندنا تكوينات مهنية متعددة لكن النمو الاقتصادي ضعيف. فالمشكل لا يتعلق بالتعليم لوحده كما قلت من قبل، فهو أمر نسقي تشترك فيه جميع العناصر المكونة لنسق الدولة المغربية، ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي وأيضا ماهو ثقافي، فعندما نتحدث عن ثقافة التكافل الاجتماعي، في بعض الاحيان يدفع الطالب خريج الجامعة المغربية إلى الاستراحة في بيوتهم لسنوات طويلة، لأن آباءهم وأمهاتهم يقومان بالدور مقامهم. سواء على مستوى توفير حاجيات الحياة مما يجعلهم يرتاحوا لهذا الوضع، ويلقي اللوم على الدولة ولا يكلف نفسه عناء الخروج ليبدع ويبتكر. وتساعد الثقافة السائدة كالتكافل من جانبه السلبي على الكسل، فالدولة لن تستطيع أن توفر لكل هؤلاء الخريجيين مناصب شغل، فالشباب يجب عليه أن يخرج من تقوقعه وانتظار ما ستجود به الدولة، وإلا لن يستطيع ان يبدع. وكما أقول دائما "إن التخلف منتوج جماعي ولا يمكن أن نحله إلا جماعة". أخيرا أتمنى على مؤسسات الجامعة أن تدعم الطلبة المبدعين المبتكرين، وأن تشجع أساتذتها على الإبداع وأن لا تكون حاجزا أمام أي مبادرة يمكن أن تكون لها أثر ايجابية على تقدم الدولة من الجانب الاقتصاد أو الاجتماعي أو السياسي... لأنني اعتبر الجانبين الاجتماعي والسياسي حقلين يمكن أن يشتغل فيها الطالب مستقبلا.