محمد الصديقي : تحرير التعليم من القرارات السيادية هو السبيل للخروج من الأزمة

محمد الصديقي : تحرير التعليم من القرارات السيادية هو السبيل للخروج من الأزمة

بدون شك، الموسم التعليمي الحالي سيعرف عدة مشاكل تربوية واجتماعية ودراسية، نتيجة ضرب كل  مقومات المدرسة العمومية، " الجميع " يتحدث عن تراجع خطير على مستوى البرامج التعليمية، زد على ذلك النقص المهول على مستوى البنيات الاستقبالية للكم الهائل للمقبلين على التمدرس، دون الحديث عن النقص الخطير في الموارد البشرية (رجال ونساء التعليم / الأطر الإدارية/ الأعوان). " أنفاس بريس" حاورت الأستاذ محمد الصديقي بصفته مسئولا نقابيا في صفوف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وكان معه نص الحوار التالي :

 بصفتكم فاعلا نقابيا، ما هي أبرز سمات الدخول المدرسي لهذا الموسم ؟؟

كالعادة، انطلق الموسم الدراسي على إيقاع الاجتماعات التمهيدية التي يعقدها المسؤولون الإقليميون والجهويون والمركزيون وهي تكرر الخطابات نفسها التي لا تتجاوز حدود الانتشاء بانتهاء الموسم الدراسي الفارط بسلام رغم إكراهاته من جهة، ومن جهة أخرى بتوقع مرور الدخول المدرسي في أجواء الإكراهات التي أضحت مألوفة، والتي عادة ما يعبر عنها المسؤولون بجملة: "سيتم تجاوز جميع الإكراهات والمشاكل بفضل تضافر جهود الجميع" وفي انتظار تدخل السيد "الجميع" تمر العملية دون أن تتضافر الجهود وفي أحسن الأحوال يتم ترقيع أغلب الوضعيات بتخريجات غير قانونية، وفي النهاية يؤدي التلميذ الثمن من حقه في التعليم والتعلم. وكالعادة دائما تبقى الأطراف الأخرى غير الإدارية لتبرير عدم تحملها للمسؤولية في ما آلت إليه أوضاع القطاع تطرح الأسطوانة نفسها المتعلقة بغياب أو نقص التجهيزات الأساس، والاكتظاظ غير المبرر، والبنيات المهترئة، وعدم معقولية ولا "قانونية" عدد ساعات العمل، وتعسفات نتائج الحركات الانتقالية، وغياب النظافة في مقرات العمل لغياب الأطر، والنقص الشامل في الموارد البشرية، وهيمنة الإجراءات الإدارية على حساب الإجراءات التربوية وغيرها من القضايا التي ألفها واستأنس بها المجتمع ويبتلعها كما يبتلع كل التعسفات التي لحقته وتلحقه في حياته ومعيشه ومهنته.

 من يتحمل مسؤولية أزمة التعليم العمومي بالمغرب؟

لقد ألفنا في كل موسم أن تزداد الإكراهات وأن يتفاقم الوضع التعليمي، ويرتفع معه منسوب الإحباط لدى الشغيلة التعليمية بشتى أصنافها، وفي مقابل ذلك تقل وتتناقص وتيرة مواقف الممانعة والمقاومة على حساب شعار "بعدي والطوفان" بسبب تراجع الوعي الحقوقي والنقابي في بعده التضامني لدى أغلب الموظفين، وتراجع الفاعلية الإقناعية لدى أغلب النقابات الراجع لانحسار أفق الوعي والتفكير النقديين لدى عدد من مسؤوليها ومدبريها في شتى هياكلها.

إن أزمة التعليم لا تحتاج إلى تعريف أو مزيد من التشخيص، ففي كل لحظة تتقاطر علينا التقارير الدولية والجهوية والوطنية لتصنفنا في ذيل الترتيب وفي شتى مجالات القياس التربوية والإدارية والمادية والأجرية...، وهو ما يعني أن التدابير المتخذة منذ 1984 على الأقل إلى حدود الآن مشوبة بالإعاقة وتجعل القطاع لا يخرج من دائرة "القطاعات ذات الاحتياجات الخاصة" ويجعل مستوى التفكير فيه يقتضي رؤية بعيدة عن الاستعجال والإجراءات ذات الطابع الإرضائي لمؤسسات مالية خارجية مانحة أو دائنة، تستحضر الاستجابة لنداء الوطن ببناء النخب الوطنية الغيورة على الأرض والعباد...

ألا تعتقدون معي أن هناك غيابا تاما للفاعل النقابي للترافع والدفاع عن المدرسة العمومية؟

يجب أن نعترف أن الدولة تتعمد إفساد التعليم، ولا تريد إصلاحه، وليس في صالحها إحداث تغيير جذري ونوعي في هذا القطاع الحيوي للأسباب التالية:

 - إصلاح قطاع التعليم يعني بالضرورة حرمان البلاد من مساعدات وتعاقدات مع هيئات تضخ ميزانيات مهمة في بناء المؤسسات وتجهيزها، وتمرير مشاريع إصلاح... ومن خلالها تربح الدولة مداخيل مالية، ورغم فشل الإصلاحات فإن تبرئة ذمة الدولة يتم من خلال محاسبة عدد من المسؤولين عبر الإعفاء من المناصب أو الإحالة على القضاء للحفاظ على ماء الوجه ويسمح بطلب المزيد من المساعدات...

 - الرغبة الملحة لدى الدولة في تقزيم حجم ودور الطبقة المتوسطة المثقفة حتى لا تضطلع بدورها التاريخي في قيادة مسيرة التغيير عبر إحداث خلخلة في بنيات الفكر والوعي الجمعي، ولا سيما أن الدولة تتجه نحو تعميق إحساس هذه الطبقة بالإحباط حتى تهجر حقل السياسة وتركن إما إلى الرومانسية الحالمة، أو الانتهازية المرَضية عبر المشاركة في مسلسل الفساد بالتملق للجهات المتحكمة والانخراط في مشاريعها والتبشير بها طمعا في تعويضات أو امتيازات غالبا ما تكون ريعية... وقد يرز هذا الدور الأساس في النسب المتدنية لمشاركة هذه الفئة في كل المحطات الانتخابية رغم حساسيتها ورهْنها لمستقبل البلاد بما في ذلك مستقبل هذه الطبقة نفسها...

 – الرغبة في تفكيك المدرسة العمومية عبر تقليص نفقاتها الخدماتية، وتمييع أدوارها المجتمعية والقيمية، وتحييد دورها النضالي الطلائعي بتنفير المواطنين منها وإظهارها بمظهر المؤسسة الكسولة رغبة في الدفع بالدور التجاري للقطاع الخاص بتشجيعه وتمكينه من الوسائل الضرورية، والاتجاه نحو التوظيف بالعقدة في إطار تنويع طبيعة الموظفين وخلق فئات متصارعة فيما بينها في المؤسسة الواحدة بغرض التحكم في المؤسسات وتأمين الطريق لدخول الرأسمال الأجنبي للقطاع في إطار توفير أجواء "الاستقرار" و "السلم الاجتماعي"...

 – تقزيم دور النقابات وإظهارها بمظهر الإطارات غير المختلفة والمتشابهة من حيث عدم استقلاليتها السياسية والتنظيمية، وجنوحها نحو الفساد أو على الأقل تزكيته، وتدجينها بإشراكها في بعض المؤسسات الريعية التي لا تساهم إلا في إنتاج تقارير تزكي سياسة الدولة في القطاع...

 كيف تبررون موقفكم من أزمة التعليم بصفة عامة؟؟

في مواجهة هكذا وضعية غير ملتبسة ولا صعبة الفهم باعتماد آليات التحليل البسيطة، يطرح السؤال حول دور النقابات التي يظهر أنها أمام مهام صعبة تنظيميا ونضاليا وتأطيرا، ففي الوقت الذي ركنت فيه إلى تقليص آليات النضال عبر تضخم في إنتاج البيانات والبلاغات (النضال بالدعاء)، تتجه بعض الفئات نحو خلق آليات للمقاومة الذاتية، وعلى الرغم من تحقيقها بعض المكاسب الظرفية، فإنها تسير في نفس أهداف تعميق شتات الجسم التعليمي وتكريس تهميش أدوار المؤسسات النقابية، هذه الأخيرة - أي النقابات - أضحى هاجسها الأساس هو الحفاظ على الحق في التواجد التنظيمي بدل الاستمرار في أداء الواجب النضالي...

 ما هو السبيل إلى تفادي السكتة القلبية في حقل التعليم؟

ومن ذلك كله، يقتضي الوضع أولا التفكير في المداخل الأساس لتحقيق طفرة على مستوى الوعي بأدوار المدرسة العمومية، ولعلي أكتفي هنا بمدخل أجده ذا أولوية ويتعلق بضرورة التفكير في سبل تحرير القطاع من القرارات السيادية، واعتبار التعليم شأنا مجتمعيا، حتى تكتسي القرارات طابعها الديمقراطي، ولعل النقابات الديمقراطية هي المسؤولة عن بناء هذا الوعي في جدليته بالممارسة النضالية بأساليب وممكنات جديدة وواقعية، كما أن أدوار الفاعلين في الاتجاه نحو خلق وعي تاريخي بأزمة الوطن ومؤسساته أضحى واجبا أخلاقيا تجاه الأجيال الصاعدة، إن المجتمع مسؤول بانخراطه في مسلسل الانتظار، والركون نحو النقاء الفردي وتبني النقد للآخر وتحميل المسؤولية "للجميع".