كيف انسلخت حملة "كلنا معيدين" من طابعها الإنساني لتلبس رداء التشهير المُهين بالكادحين

كيف انسلخت حملة "كلنا معيدين" من طابعها الإنساني لتلبس رداء التشهير المُهين بالكادحين

كان ومازال وسيظل فعل الخير تلك الصفة الأصلية المجبولة عليها الطبيعة البشرية. اللهم حين تتعرض لمختلف التأثيرات الدنيوية المكتسبة لتفعل فعلها النشاز في نفوس البعض إلى أن تهزمهم أخيرا. ومع ذلك، يستمر الأصل باستمرار الحياة، وهذا ما تبدو معه العديد من المبادرات الإنسانية التطوعية من حين لآخر إن كانت بشكل مادي أو معنوي.

ولعل مناسبة عيد الأضحى الذي لا تفصلنا عنه هذه السنة سوى أيام معدودات، يعد من الفرص التي يترصدها الكثير لأجل تقديم ما بوسعهم من مساعدات إلى المحتاجين إليها من الطبقة الكادحة. هنا، تفرض إحدى الحملات المعلنة مؤخرا على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي والمعنونة بـ"حنا كلنا معيدين"، نفسها حتى تستحق وقفة أكثر من متأنية، لا لشيء سوى افتقادها أهم شرط يفترض الحرص عليه في مثل هذه المبادرات، والمتمثل في حفظ "كرامة" المتصدق عليهم.

والحال، كما هو ظاهر، ارتأى المبادرون إلى أساليب تكشف حتى لا نقول "تفضح" أولئك المغلوب على أمرهم، وأبوا إلا أن يدفعوا بهم إلى واجهة "العراء التواصلي" دون أدنى اعتبار لما يخلفه ذلك من وقع نفسي عليهم وعلى أبنائهم، ولو أخفوه تحت ضغط الحاجة وقلة ذات اليد، فتجدهم ورغم الابتسامة يبطنون خلفها، لا محالة، ضيقا كان من الممكن تفاديه ببساطة ودون تكلف، طالما أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموجهة لهذه الأعمال أكثر من أن تعد أو تحصى. وإن كانت تلتقي على شتى تباين تعابيرها حول ضرورة إبقاء رأس المسكين شامخا مهما كانت الإعانة المسلمة له. وأول سبل ذلك هو التحلي بخصلة الستر. وإلا لما جاء في قول الرسول الكريم بأنه ومن "..سبعة من سيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل تصدق فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه..". بل وأخبر صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بأن: "صدقة السر تطفئ غضب الرب".

ولذلك، أجمع الصالحون على أنه حين شرعت "صدقة السر" لم تشرع تحيزا لطرف على طرف، بل لمصلحة الطرفين. وذلك من منطلق أنها تحفظ للمتصدق طهارةَ نيته من الرياء وحب المدح، وتبقيها على صفائها ونقائها خالصة لوجه الله تعالى.أما المحتاج فتصون له كرامته وماء وجهه، إذ لا يجرح بالتصدق عليه أمام الناس، لأن في ذلك إذلال له وإهانة لا يرتضيها الإسلام للفقير.

وعليه، حتى وإن كان "المتبندون" أمام آلات التصوير و"بوزات السيلفيات" يظهرون وكأنهم يصنعون التاريخ. يمكن تجاوزا تجرع حركاتهم تلك من باب احتمال السعي وراء تحريضهم الغير على الخطو هم أيضا صوب العمل الخيري الإحساني، إنما ليس هناك مبرر لإقدامهم على إشراك المعنيين بالأموال تلك الصور. ولنا في إحدى تجارب الدول العبرة، حين أقدمت على منح الفقراء المراد الوقوف إلى جانبهم أوقات العسر بطاقات بنكية يستعملونها كأيها الناس لسحب القيم المالية الممررة لحساباتهم من غير "شوهة" أو إحراج.

وعلى الرغم من يقين عدم الطمع في تجسيد ما كان يقوم به زين العابدين رضي الله عنه، هذه الأيام، لوجود شرخ الفارق، إلا أنه ومن قبيل الاستئناس الملفت لا بأس من استرجاع شريط حكايته في هذا الصدد. إذ كان يخرج قبل الفجر ويحمل الصدقات على ظهره إلى بيوت الفقراء والمعوزين، فيصبحون ولا يدرون من تصدق عليهم، ولما مات وجدوا أثناء تغسيله أثر حمل تلك الصدقات على كتفه.