بإجماع مستجوبي "ّأنفاس بريس": "عرس زمان كان ساهل وكيدوم، أما اليوم بالتريتور وأخرتها محاكم"

بإجماع مستجوبي "ّأنفاس بريس": "عرس زمان كان ساهل وكيدوم، أما اليوم بالتريتور وأخرتها محاكم"

"عرس زمان كان كيكون غير فالسطاح وفيه البركة. أما دابا را القاعة والتريتور وسويرتي يصدق داك الزواج ولا ما يصدقش". هذا ما عبرت عنه الحاجة مينة التي اشتغلت 36 سنة طباخة في مختلف المناسبات إن كانت أفراحا أو مآتم. مذكرة بأن الأعراس التي حضرتها بأسطح المنازل كانت كلها تمر في أجواء احتفالية رائعة، تجمع أقارب العروسين وبعض ساكنة الحي "ناس كيدخلو بلا عراضة".

وغالبا ما يكون السطح في غير ملكية أصحاب الحفل، تضيف الحاجة مينة، على اعتبار أن السطح الأكبر مساحة في الدرب يبقى موضوع طلب كل راغب في تزويج ابنه أو ابنته، وما عليه حين تلقي الموافقة المنتظرة إلا أن يكتري "الباش" ويثبته ب"بيدوزات" مملوءة بالماء ملقاء من أعلى الحائط. وهناك، أي في السطح، تذبح "الضروبة" و"كيتريش الدجاج" و"كتحني العروسة"، بمعنى أن أصحاب العرس ينتزعون ملكية السطح لمدة ثلاثة أيام "نهار الجمعة ملي كتحني العروسة. ونهار السبت بالليل للرجالة. والأحد بنهار للعيالات". وكل ذلك بدون مقابل، بل حتى الطباخة تكون من أفراد العائلة، والسرباية بعدد الشباب الحاضر من الأقرباء وساكنة الحي، فالكل طالع نازل".

وتؤكد المتحدثة بأن "حتى الضو مأّخوذ من الزنقة بتساهل المخزن طبعا. أما الأمن، فالبوليس غادي جاي باش يطمأن ومالين الدار ما كيقصروش من جهتهم كيعطيوهم العشا. والأمور كتمشي بسلام..". وأشهد، تقر الحاجة مينة، أن تلك الزيجات التي أقيمت احتفالاتها بـ"السطوحا" كتب لها النجاح والاستمرارية أكثر من تلك التي نشهدها اليوم في قاعات فخمة، تصرف عليها الملايين سواء "بالجميع أو بالكريديات". وأحيانا مصاريف الحفل والجزءيات المرتبطة به تكون سبب نشوب الخلافات بين الزوجين، التي تبدأ في التفاقم بمجرد "تفراق الفانيد، والمشية لـ لاكوط".

ويرى عبد الله، مكري سابق لمعدات الأعراس، بأن توقفه عن مزاولة نشاطه الذي بدأه في 1982 إلى غاية 2007، كان نتيجة عدم قدرته على مسايرة إمكانيات الوافدين الجدد على الميدان "اللي دخلو صحاح" وضخوا أموالا طائلة لتحويل الناس إلى القاعات بعد إغراءهم بمظاهر التباهي. وقد نجحوا في ذلك، يقول عبد الله، مستغلين التغيرات التي طرأت على المجتمع سواء من خلال تراجع ذلك التلاحم المجتمعي المبني على التآزر و"كلشي كيعاون كلشي"، أو كذلك من خلال تفشي ظاهرة "بان علية نبان عليك"، ولم يصبح الناس راضون بمستواهم الحقيقي أو حتى الإعتراف به.

فالكل، يتأسف الرجل، صار "كيتعلق فين يتفلق" ويسعى دون وعي إلى تقليد من يفوقونهم ماديا إلى أن وصلنا لليوم الذي نرى فيه منافسة شرسة بين الفقراء أنفسهم وجميعهم يتحججون بـ "مال هاداك دار العرس فالقاعة. مالو باش احسن مني". لذلك وبعد أن كان عرس "السطاح" يُنتظر موعده بشوق للابتهاج بحميميته وتلقائيته كدلالة على كرم وسخاء أصحابه، عدا رمزا للتقشف وسُبة للرجعية والتخلف غير المواكب لمستجدات العصر. في حين أصبحت "القاعة" هي الحضارة والتحضر والرفعة، بصرف النظر أو بالأحرى تجاهل ما تخلقه تبعاتها من حزازات مجتمعية، وما تخلفه من زج في السجون وبالجملة لضحايا "الكريدي" ومهووسي التفاخر الزائف.