لقد أثبت التاريخ، أن عددا من الانقلابات يكون مفبركا، ومرتَّبا له سلفا، تماما كما هو شأن بعض الأحداث الغامضة والمثيرة، التي يكشف عنها التاريخ بعد سنين عديدة.. ففي 20 يوليوز من سنة 1944، نُظّم انقلابٌ في ألمانيا النازية، وقد بدأت أطوارُه في الساعة الثامنة مساءً، وفشل حوالي الساعة الواحدة صباحا، وكان من وراء ذلك الكولونيل "فون شتُوفَن بيرغْ" قائد قوات الاحتياط، وقد سُمِّيت العمليةُ "عملية فَالْكيري" وهي سامفونية للموسيقار "ڤاغنَر"، وقد أثبت التاريخ اليوم، أن "هيمْلر" كان على علم مسْبق بالانقلاب، بدليل أنه تغيّب عنوة عن الاجتماع الذي أُقيم في "راسْتَنبورغ" في بروسيا الشرقية، بحضور "هتلر" حيث انفجرت القنبلة التي كانت مدسوسة في محفظة "شتُوفَن بيرغ"، التي أبعدها عن "هتلر" ضابطٌ قبل انفجارها وراء منضدة صلبة، مما جعل "هتلر" يخرج سالما؛ ومن المعلوم أن الاجتماع المذكور، كان سيقام في "بونكَر"، إسمنتي مغلق، مما كان سيزيد من قوة الانفجار، وفي آخر لحظة حُوّل إلى غرفة خشبية مفتوحة، وبعد الانفجار تحركت "قوات الاحتياط" بدعوى الدفاع عن "هتلر" وعن "الوطنية الاشتراكية" تنفيذا لخطة "ڤالْكيري" التي وقّع عليها مسْبقا "هتلر" شخصيا في مقرّه "البرْغهُوف"..
قامت "قوات الاحتياط" بقيادة الجنيرال "أولبريشت" باعتقال عدة قادة وشخصيات، من بينهم "غوبلز" وزير الدعاية، وبعد ساعة قُطعت كل خطوط الاتصال في قيادة "قوات الاحتياط" وأعطيت الأوامر لقوات "إيس ـ إيس"، وكذلك "الڤيرماخت" يعني الجيش، بالتحرك وتنظيف كل المؤسسات المحتلة وفشل الانقلابُ واعتُقل "شتوفَن بيرغ، وأولبريشت، وڤون ويتسْ ليبَن، والجنيرال المتقاعد "بيكْ" و"كارل كوندلير" السياسي، وأدين بعد ذلك قادة عسكريون من أمثال "رومَلْ"، و"كلُوغا"، وسفير ألمانيا السابق في روسيا "شولامبور" و"فيل غيبَل" المكلف بالاتصالات، وانتحر الجنيرالان "فون أولبريشْت" و"فون تريسكو"، وانطلقت الإعدامات وتصفية الحسابات حتى بلغت 10 آلاف، وأطبقت كمّاشةُ "هتلر" بشكل شامل، لكنّ السؤال هو: هل بإمكان "قوات الاحتياط" الوقوف في وجه قوات "إيس ــ إيس"، و"الفيرْماخت" يعني الجيش، و"لُوڤت واف" يعني القوات الجوية، بالإضافة إلى شرطة "غيستابّو"؟ هذا هو السؤال المطروح بخصوص الانقلاب المفتعل في تركيا، الذي كان مرتّبًا له سلفا أن يفشل، ليفسح المجال للتطهير، ولتقوية الإخوانية تماما كما فعلت النازية.. أليست النازية هي التي أحرقت مقر البرلمان لتستفرد بالسلطة، واختارت متهما هولانديا شيوعيا يدْعى "فان ديرْلوب" في فبراير 1933، وعن محاكمته قال المؤرّخون إنها كانت "كوميديا قانونية" اُنظر "مغامرة القرن 20" صفحة: 409..
ففي الانقلابات الحقيقية، يتم فورا اغتيال الرئيس، وبروز زعيم جديد، مع حل البرلمان، وتعطيل الدستور؛ لكن في انقلاب تركيا، كان "أردوغان" في مقره الخاص بالاستجمام، وركب طائرته بكل اطمئنان، مع العلم أن الأجواء تكون محظورة وخطيرة لحظة الانقلاب الجاد، ولا يُعْرف لا مقرُّ، ولا مصير الرئيس ثم إن الانقلابيين أقرّوا أمورا ليست مما يساعد في الانقلابات، والغريب في الأمر أنهم ادّعوا الدفاع عن الديموقراطية، وعن العلمانية، ثم قيل إنهم نفذوا فتوى للداعية الإسلامي "فتح الله غولن" المقيم في أمريكا؛ فهل العلمانيون يأخذون برأي الإسلاميين؟! والظاهر أن "أردوغان"، عندما دعا الشعب إلى الخروج كان يقصد أتباعه، وشيعتَه لأنه هو نفسه يقمع المظاهرات، ويطلق الرصاص على المحتجّين؛ لذلك فالذين خرجوا إلى الشارع إنما هم "خوارجه"، وأطلقت عليهم صحافةُ التكسب اسم "الشعب" فيما الصحفيون النزهاء يقبعون الآن في سجون "أردوغان" مزوِّر الانتخابات الأخيرة، ومحوِّل تركيا إلى سَلْطنةٍ عثمانية؛ فهو غارق في "الإخوانية" ولا علاقة له بالديموقراطية، بدليل أن دولا غربية حذّرته من الانتقام، والقتل في حق من صدّقوا كذبة الانقلاب فشاركوا فيها فكانوا أكباش فداء. وبدمائهم سيخْلط "أردوغان" إسمنتَه لبناء قبر للحرية وإقامة معبد لديكتاتورية تتأنّق بوشاح ديموقراطية صورية كاذبة.. فالانقلاب الحقيقي هو الذي تقوم به الشعوب عبر صناديق الاقتراع، وهو "الانقلاب" الذي سيقوم به الشعب المغربي يوم 07 أكتوبر، لمحو "إخوانية" بنكيران لأنه كما يقول "روسو": "إرادةُ الشعب، من إرادة الله" ثمّ لا عزاءَ للظّلمة والطغاة البغاة..