يوسف لهلالي: تصدع سياسي كبير ببروكسيل بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي

يوسف لهلالي: تصدع سياسي كبير ببروكسيل بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي

"أعلن كاميرون في 2013 عزمه على تنظيم استفتاء حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو خروجها منه فهو "سجن قارة بأسرها من أجل مفاوضاته التكتيكية". هذا التصريح أدلى به مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوربي بعد تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو يحمل مسؤولية هذه الكارثة الاوربية إلى رئيس الحكومة البريطانية دافيد كاميرون الذي رهن مستقبل قارة من أجل مصلحة ضيقة، وهي السيطرة على مقاليد السلطة بحزب المحافظين وتسيير شؤون المملكة البريطانية لفترة انتهت بزلزال سياسي، حيث استعمل خصومه نفس الحيلة التي استعملها ضدهم في السابق. هذا السلوك الأناني والأحمق جعل أحد الصحافيين البريطانيين ينعت رئيس حكومة بلاده وأن ما قام به "هو إجرام  ضد بلده".

سلوك دافيد كاميرون يعكس "سياسة اللعب بالنار" التي يقوم بها عدد كبير من السياسيين الأوربيين، حيث يحملون مسؤولية كل مشاكل بلدانهم إلى الاتحاد الأوروبي وإلى الهجرة. وهو ما يجعل الرأي العام الأوروبي يكون نظرة جد سلبية عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي. والجميع يتذكر نتائج الاستفتاء السلبية حول الدستور الأوروبي سنة 2005 بفرنسا والتي كان منطقها يقود فرنسا إلى الخروج من مؤسسات الاتحاد لأولى اتفاقية ليشبونة الأوربية التي أخرجت السياسيين الفرنسيين من هذا المأزق. هذا بالإضافة إلى التقدم الكبير الذي تحققه التيارات السياسية الشعبوية والمتطرفة التي لها حضور بالمؤسسات الاوربية وكذلك بمختلف المؤسسات المنتخبة على المستوى الوطني.

هذا التصويت البريطاني كان بمثابة الزلزال الذي أصاب أوروبا بعد إعلان نتائجه، لكن رد الفعل الأوروبي كان سريعا على القرار البريطاني وأعلنت أوروبا سلسلة من الاجتماعات والقرارات من أجل إنقاذ الوحدة الأوروبية، وتكاثفت الاتصالات خاصة بين باريس وبرلين، وتم اجتماع وزراء الدول المؤسسة يوم الجمعة الماضي ببرلين. أغلب تصريحات مسئولي البلدان الأوروبية كانت تدعو إلى الوحدة ومطالبة بريطانيا بتسريع وتيرة خروجها من مؤسسات الاتحاد.

التصريحات الأوروبية المستاءة من قرار البريطانيين توالت من جميع العواصم، وزير الخارجية الفرنسي جون مارك أيرولت لم يتردد بمطالبة بريطانيا بتعيين رئيس حكومة جديد في الأيام المقبلة، وذلك ردا على قرار دافيد كاميرون الذي يريد الاستقالة في شهر أكتوبر المقبل، ذلك أثناء لقاء الدول 6 المؤسسة ببرلين (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، إيطاليا، هولندا والليكسومبروغ) مساء يوم الجمعة 25 يونيو.. وطالبت هذه البلدان في بيان لها بريطانيا بالتطبيق السريع لقرار الخروج وتطبيق القانون رقم 50 الذي ينظم عملية الخروج من مؤسسات الاتحاد. وخلال هذا اللقاء تبين أن فرنسا وإيطاليا تضغطان لإخراج بريطانيا بأسرع وقت ومعاقبتها على هذا الاختيار، في حين تدعو ألمانيا الى التريث في تطبيق هذا القرار، أي إجراءات خروج لندن من مؤسسات بروكسيل.

بريطانيا من جهتها عليها تدبير العديد من المشاكل المرتبطة بهذا الخروج خاصة على المستوى الاقتصادي وهي الاستعداد لفقدان الدخول الحر إلى أسواق 27 بلدا أوروبيا، وهو ما سيدفع العديد من الشركات الكبرى إلى مغادرة لندن نحو باريس أو برلين للاستفادة من امتيازات الاتحاد الأوروبي. وهو ما سينتج عنه العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بلندن كارتفاع البطالة الذي تعتبر اليوم الأقل بأوروبا بنسبة 5 في المائة.

مشاكل أخرى تخص المملكة المتحدة، فباقي البلدان التي تشكل الاتحاد البريطاني تريد البقاء بأوروبا، وهو ما أعلنته رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورغن، والتي صرحت أن مستقبل بلدها هو داخل الاتحاد الأوروبي. نفس الموقف تبنته إيرلندا الشمالية مما سيحيي قضية إحياء وحدة إيرلندا بالإضافة إلى جبل طارق الذي يمكن أن يخلق جدلا جديدا مع إسبانيا. تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يكلفهم غاليا على المستوى الاقتصادي وكذلك على المستوى السياسي واختفاء المملكة المتحدة لصالح مملكة إنجلترا.

هذا الاختيار البريطاني هو "ضربة موجهة لأوروبا، وتبعات هذا القرار سوف نعيشه في المستقبل ولا بد من استخلاص الدروس من ذلك"، تقول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل.. فبالنسبة للمسئولة الألمانية ترى خطورة هذا القرار على البناء الأوروبي خاصة انتقال هذه العدوى إلى باقي البلدان، وهو ما يعني نهاية الاتحاد الأوروبي.

اليمين المتطرف الفرنسي لم يتأخر في الرد، ودعا على لسان زعيمته مارين لوبين إلى إقامة استفتاء بفرنسا حول الخروج من أوروبا، ووعدت زعيمته بتطبيق ذلك في حالة انتخابها رئيسة لفرنسا في السنة المقبلة.

وهي نفس الدعوة التي طالبت بها الأحزاب الشعبوية والمتطرفة بالعديد من البلدان الأوروبية الأخرى، سواء بهولندا، الدانمارك وإيطاليا.

"خروج بريطانيا يضع فرنسا أمام مواجهة قرار خطير"، يقول فرنسوا هولاند، حيث لا يمكن تصور أوروبا بدون بلد كبير مثل بريطانيا، خاصة بالنسبة لباريس حيث تعتبر لندن شريك أساسي لها في قضايا الدفاع العسكري والأمني خاصة انها البلد الأوروبي الوحيد مثل فرنسا الذي له قدرات عسكرية كبيرة.

اليوم الجميع يتساءل كيف الخروج من هذه الورطة، وهي قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي وضعهم فيها دافيد كاميرون. الأمل ربما يأتي من بريطانيا نفسها، فقد قام مواطنوها بنشر لائحة توقيعات من أجل إعادة الاستفتاء مرة ثانية، وحصلت هذه التوقيعات حتى الآن على 3 ملايين توقيع.