تعتبر القيادة الجزائرية للوساطة الدولية من أجل إيجاد تسوية سياسية للصراع المسلح والقائم بين حكومة مالي المركزية والحركات الازوادية في الشمال أهم معرقل ومبلبل سياسي لمجهودات السلام التي ترعاها كل من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الجوار.. إن اللقاء الأخير الذي عقد بباماكو، وحضرته كل من الاتحاد الأوروبي وبعثة الأمم المتحدة وحكومة مالي وجميع حركات ازواد المسلحة والاتحاد الأفريقي لتنمية غرب إفريقيا ومنظمة التعاون الإسلامي والنيجر ونيجيريا والتشاد وبوركينافاسوا وسفير الولايات المتحدة الأمريكية وسفير دولة فرنسا بمالي، والذي انتهى من جهة بانسحاب ثلاث حركات ازوادية التي امتنعت عن توقيع اتفاقية السلام والمصالحة التي جدول أعمال ورقعة نقاش سياسي وديبلوماسي طيلة الأشغال، ومن جهة أخرى بتوقيع ثلاث حركات ازوادية مسلحة، جعلنا نتساءل من جهة عن طبيعة البنود التي حملتها هذه الاتفاقية، ومن جهة أخرى عن طبيعة الحركات الازوادية الموقعة والغير الموقعة عن هذه الاتفاقية للسلام والمصالحة، تحمل الاتفاقية ستة بنود إذا تأمل فيها المهتم السياسي والدبلوماسي يجد نفسه أمام حقيقة سياسية وهي إخضاع الشمال أو إخضاع ازواد للحكومة المركزية دون قيد أو شرط.. إذ تغيب في بنود الاتفاقية إلى ما يشير إلى هوية الشمال وخصوصيته وحضارته وتاريخه، غلب الجانب الأمني عن بنود الاتفاقية كأن الجزائر تريد أن ترهب قيادة هذه الحركات بموجة جديد للإرهاب في منطقة ازواد، في بنود الاتفاقية لن تشير الجزائر إلى المسؤولية التاريخية للمجازر التي ارتكبتها الحكومة المركزية في حق الازواديين.. ولن تشير كذلك إلى عمليات الترحيل التي قامت بها حكومة مالي المركزية في ترحيل آلاف من الازواديين وتشتيتهم في دول عدة ومختلفة.. كما أن بنود الاتفاقية لن تشير بشكل واضح إلى تعويض سكان ازواد عن سنوات العجاف التي مروا منها، وكانت حكومة المركز هي السبب فيها، يغيب الإنساني والحضاري والتاريخي والثقافي في بنود اتفاقية السلام والمصالحة التي أعدتها الأجهزة الجزائرية، بل يحضر فيها الأمني بشكل قوي وكأن الجزائر تحاول أن توجه رسالة إلى الأهالي بالضغط عن الحركات الممتنعة عن التوقيع من أجل التوقيع، رفض التوقيع كل من حركة تحرير ازواد والمجلس الأعلى لوحدة ازواد وحركة ازواد المنشقة.. أما الحركات الازوادية الموقعة فنجد كل من حركة ازواد العربية وتنسيقية شعب ازواد وتنسيقية الحركات والجبهات الوطنية..
إذا انتبهنا جيدا إلى الوزن السياسي والدبلوماسي للحركات الموقعة والغير الموقعة، فإننا نكون أمام حقيقة سياسية لا غبار عليها، فالحركات الغير الموقعة هي التي تمثل حقيقة الشعب الازوادي، وهي الحركات المسلحة الموازنة في المنطقة.. فلا أعتقد أن هده الحركات سوف تخذل الشعب الازوادي في تقرير مصيره الذي وعدته به وتنمية المنطقة، أما الحركات الموقعة فهي أذيال الجزائر في المنطقة.
إن عرقلة السلام في المنطقة تتحمل فيه الجزائر قسطا كبيرا من المسؤولية، فهي وإن صح اعتقادي فدولة الجزائر لا تريد حلا سلميا للمنطقة، بل تريدها منطقة غير آمنة وغير سلمية لأنها ترى في صحراء الطوارق خلفية لجيوشها الافتراضيين الذين سوف يتكونون من الحركات الإرهابية المنتعشة في المنطقة بما فيها حركة القاعدة وحركة جماعة أنصار الدين والدواعش وبوكو حرام.. وهي تعي جيدا أنها سوف تهدد خصومها السياسيين بهذه الجيوش المتطرفة إن اقتضى الحرب ذلك.