المغرب و«فاتورة» الهجرة.. حتى لا يبقى بلدنا يلعب دور "العلاف"!

المغرب و«فاتورة» الهجرة.. حتى لا يبقى بلدنا يلعب دور "العلاف"!

في كل يوم ينتشر 11 ألف فرد من قوات الأمن على طول سواحل المغرب لحراستها من تسلل المهاجرين وحمايتها من وباء الشبكات الإجرامية العابرة للقارات. وهذا العدد يمثل تقريبا 3 في المائة من مجموع الموارد البشرية العاملة في سلك الأمن بالمغرب (شرطة، درك، قوات مساعدة، جيش، جمارك)، وهو عدد يكلف سنويا خزينة البلاد ما مجموعه 66 مليون درهم شهريا، أي ما يعادل 800مليون درهم كأجور تصرف سنويا على هذه الفيالق من حراس السواحل المغربية على طول 2800 كلم. بمعنى أن المغرب يقتطع في كل يوم 2.191.780 درهم من حاجياته الأساسية للحيلولة دون أن «تتسخ» أرض أوروبا «الطاهرة» بأقدام المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء. علما أننا لم نحتسب مصاريف الطائرات والسفن والزوارق والمحروقات وعتاد الاتصال اللاسلكي والمقراتالمبنية وشاكل ذلك، إذ لو أدمجنا هذه المعطيات فلي اليقين أننا سنصطدم برقم مهول وهو ما لم يتأت لـ «أنفاس بريس» الحصول عليه للأسف.

سرد هذه الأرقام ليس من باب الاستجداء، لأن حماية الحدود وحراسة البلد من أخطبوط الشبكات الإجرامية واجب سيادي ومفروض أن تقوم به الدولة، وإلا فقدت شرعيتها ومشروعيتها، بل إن السرد أملته مفارقة فاضحة آلمتنا. إذ في الوقت الذي أعلن المغرب انخراطه في القيم الكونية لحماية حقوق المهاجرين فوق ترابه بالنظر إلى أنه دولة مصدرة لـ 4.5 مليون مهاجر موزعين على مختلف دول العالم ، نجد الأوروبيين، وهم المستفيدون الأوائل من نعمة السياسة العمومية المغربية الجديدة في مجال الهجرة، لم يساهموا إلا بحوالي 70 مليون أورو (ما يعادل 80 مليار سنتيم)، وهو المبلغ الذي لا يكفي لشراء فرقاطة بحرية واحدة فبالأحرى أن يسمح المبلغ بالصيانة وتأمين مصاريف التسيير. والأفظع أن هذا المبلغ لا يسلم كل سنة، بل سلم مرة واحدة.. علما أن المغرب فكك 2400 شبكة إجرامية مختصة في الاتجار وتهريب البشر نحو أوروبا منذ عام 2004 إلى اليوم، أي بمعدل 20 شبكة في الشهر، وأحبط في السنوات الثلاث الأخيرة حوالي 90 ألف حالة تسلل إلى أوروبا، ومول من الخزينة العامة عودة 14 ألف من المهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم عبر الطائرة.

إن محاربة الهجرة غير الشرعية لها كلفة مالية باهظة، بدليل أن دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة خلقت وكالة خاصة لمراقبة حدودها (Frontex) ورصدت لها غلافا بقيمة 676 مليون أورو مع تجهيزها بأحدث الطائرات (22 طائرة) وبأسرع الهيلوكبتر (25 وحدة) وبآخر صيحات السفن الحربية (113 سفينة) مع مراعاة طبيعة تدفقات الهجرة على هذا البلد أو ذاك لدرجة أن كلفة حماية كيلومتر واحد من فضاء شنغن على طول الحدود السلوفاكية الأوكرانية مثلا يكلف مليون أورو في السنة.

- نعم، المغرب دولة تميزت عبر تاريخها بانصهار الأعراق والإثنيات القادمة من كل حدب وصوب.

- نعم، المغرب عرف على مر التاريخ هجرات عديدة: العرب الفارين من بطش العباسيين والعرب الفارين من مذابح الكاثوليكيين بالأندلس والأفارقة الفارين من قحط الجنوب واليهود الفارين من إرهاب محاكم التفتيش...

- نعم، المغرب ملتزم بالصكوك الدولية لحقوق الإنسان وبالمواثيق العالمية الضامنة لكرامة الإنسان واحترام آدميته وتمتيعه بحقوقه الدنيا بدون تمييز، ويعد المغرب من الدول الأولى التي صادقت على اتفاقية جنيف وبروتوكولها.

- نعم، هناك وعي عميق وصحوة مشرقة لمعطى الهجرة في المسارات التنموية للمغرب وما ستؤمنه من عودة قوية للمغرب إلى عمقه الإفريقي (وما خطاب الملك محمد السادس في باماكو إلا دليلا على ذلك).

لكن، ولابد من لكن، ينبغي على المغرب أن يخرج من دائرة الباحث عن مشروعيته في النادي الأممي ليدخل بقوة إلى دائرة الموزع لصكوك المشروعية.

وأول خطوة في ظننا هي أن يفاوض المغرب المنظومة الأممية لتمول وتزيد من التمويل، وعلى الحكومة أن تعيد قراءة الفقرة الثالثة من بلاغ الديوان الملكي عقب ترؤس الملك لجلسة عمل حول إشكالية الهجرة في بلاغ 10 شتنبر2013 الذي قال بأنه: "اعتبارا لما يتطلبه استقبال المهاجرين من إمكانات لتوفير الظروف الملائمة لإقامتهم وتمكين المقيمين منهم بطريقة شرعية من فرص الشغل وأسباب الاندماج الاقتصادي والاجتماعي وشروط العيش الكريم، فإن المغرب لا يمكنه استقبال جميع المهاجرين الوافدين عليه".

فما يقوم به المغرب وما سيقوم به في باب الهجرة، ستستفيد منه بالدرجة الأولى المجموعة الدولية (الأوروبية بالأساس). فمن العار أن يستمر المغرب في لعب دور "العلاف".