ميلود العضراوي: دمعة على طارق السباعي

ميلود العضراوي: دمعة على طارق السباعي ميلود العضراوي

لبى داعي ربه الأستاذ والحقوقي والمناضل الكبير، محمد طارق السباعي، ليلية الخميس 18 يناير 2018، ورحل عن عالمنا الغاص بالشرور والآثام وقلبه يعتصر غصصا وألما وحزنا عميقا. لقد قضى الأستاذ طارق السباعي حياته وعمره في النضال السياسي والحقوقي، وختمه بنشاطه الجريء في محاربة الفساد والمطالبة بحماية المال العام والتساوي في الحقوق والواجبات وثروة البلد وموارده الطبيعية. ناضل الفقيد من أجل احترام الحقوق المدنية والمكتسبات الديمقراطية في هذا البلد وناصر الضعفاء والمكسورين.

لقد تبنى الرجل مشروعا نضاليا فذا بمرجعية ثقافية وقانونية هادفة سياسيا واجتماعيا بنمط يساري حداثي، حيث اختار حماية المال العام ومحاربة الفساد عنوانا لهذا المشروع.. قدم طارق السباعي من خلال هذا المفهوم أطروحة متكاملة المفاهيم وجعل منها مجالا واسعا للاشتغال والعمل الدؤوب ووضع لها أسسا وقواعد، وحرص على أن يلتزم رفاقه بتلك القواعد والآليات لينجح العمل ويؤدي عمله على أحسن وجه. انطلقت شرارة هذا العمل سنة 2006 بعد تأسيسه الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب التي كان لنا شرف حضور مؤتمرها التأسيسي الأول وعضوية لجنتها التأسيسية، وواصل طيلة هذه الفترة، عمله النضالي دون ملل ولا كلل وباشر مهامه بكامل التلقائية والقبول والحب، جعل من عمله محرابا لصلاته وقدسيته. لقد زرته في الصيف الماضي وهو مستلق في مستشفى القلب والشرايين بعيادة طبية في أكدال وبين يديه أحد ملفات الفساد، في حين يمنع عنه طبيا التعامل مع أي نوع من هذه الأعمال نظرا لخصوصيته الصحية الخطيرة، لكن الرجل أبى إلا أن يطلع عليه ويتخذ فيه قرارا. لقد اعتاد السباعي الاطلاع بنفسه على كل الملفات ودراستها بمهنية وكفاءة. لقد كان الرجل نموذجا يحتذى به، ونال تقدير رفاقه ومحيطه الحقوقي، وحاز احترام زملائه في قطاع العدالة الذي كانت تربطه به أواصر قوية، حيث كان يتردد مرارا على المحاكم ليرافع مجانا في قضايا المال العام كما يرافع في قضايا الحق العام التي تخص مستضعفين وفقراء ومقهورين. لقد كان طارق السباعي محاميا يتعيش من مهنته فقط ولا يفكر في الغنى والثروة التي كان يتحرى عن أسبابها عند الآخرين. لقد أثار السباعي مرارا سؤال تحيين قانون "من أين لك هذا"، و"قانون حماية الشهود" الذي كان له الفضل في إخراج نصه التشريعي إلى الوجود، وقانون التصريح بالممتلكات الذي كان له الفضل في إثارته أول مرة.

لقد كانت لنا مواقف مع السباعي وأخرى ضده، لأننا كنا نؤمن بالحق في الاختلاف، وكان السباعي رجلا يفرق بين الصداقة والحق في التعبير عن الرأي بحرية والموقف من بعض القضايا والأحداث. لقد مضى طارق السباعي وترك بصمته الفكرية في السجال الحقوقي المدني وأخلى المكان لمن كان يتحين الفرصة لإزاحته. غادر السباعي وترك في أثره مدرسة نضالية قائمة المعالم جوهرها حماية ممتلكات الدولة وثروتها وحماية مواردها البشرية من الامتهان والحيف والاستغلال. أسس طارق السباعي الهيئة الوطنية لحماية المال العام، ومعها أسس ثقافة النزاهة والشفافية والقناعة والتعفف والضمير الحي اليقظ الذي لا يساوم في قضايا الأمة ولا يمتهنها ولا يستغلها من أجل مصلحة ضيقة خاصة.

لقد رحل طارق السباعي الذي كان اسمه يخيف الكثيرين ويسبب الرجفة في قلوبهم، بسبب جرأته على قول الحق وتعاليه عن الصغائر وزهده في المغريات. وكان من القلائل الذين عملوا من أجل هذا الوطن ولم يعملوا من أجل أنفسهم فقط.

لقد رحل طارق السباعي وترك حزنا غامرا وأسى كبيرا في قلوب أهله ورفاقه والمقربين منه، لأنه كان شخصية فذة طيبة ومتسامحة.. طارق السباعي عاش محبوبا ومحترما من طرف الجميع، ما في قلبه على لسانه لا يتصنع شيئا ولا يصطنع مواقف أو خطابات، صريح وجريء لا يفرق في الحق بين مقرب وبعيد، ولا تأخذه فيه لومة لائم...

رحم الله الأستاذ طارق السباعي الذي لن يتم تعويضه بغيره لأنه نسيج وحده وطينة خاصة ونموذجا فريدا من نوعه.