إبراهيم غزال: هذا ما يجب أن يكون عليه موسم طانطان باعتباره تراثا عالميا

إبراهيم غزال: هذا ما يجب أن يكون عليه  موسم طانطان باعتباره تراثا عالميا

خلقت الدورة 12 من موسم طانطان نقاشا وسجالا قويا حول كيفية التعامل مع الموروث الثقافي الصحراوي وثقافة الصحراء الخاصة بالرحل وخصوصية بيئتهم الهادئة والمريحة، موسم "أمكار" الذي صنف كتراث إنساني لا مادي من طرف اليونيسكو منذ سنة 2004 لم يرقى إلى مصاف المهرجانات التراثية القادرة على ترويج منتوجها الإنساني دوليا، بفعل عقليات متحكمة في الوضعية الاقتصادية و التنظيمية للموسم، ولا ترغب في جعله قبلة للرحل كونيا، وترفض تحويله إلى ملتقى عالمي للتراث الإنساني في عمق الصحراء ورمالها الذهبية الشاهدة على طقوس وعادات وتقاليد تؤكد أن أقاليمنا الصحراوية كانت لها روابط تاريخية وجغرافية مع كل شبر من أرض المغرب.

" أنفاس بريس " حاورت الأستاذ إبراهيم غزال في الموضوع، نقدم للقراء وجهة نظره ورؤيته لموسم طنطان.

ـ صنفت منظمة اليونسكو موسم طنطان كثراث إنساني غير مادي منذ سنة 2004 ، إلى أي حد عكست دوراته المتتالية هذا التصنيف الخاص بثقافة الصحراء ؟

++ في الحقيقة تم تصنيف موسم طانطان "أومكار" الشيخ محمد لغظف، كما كان متعارفا عليه من طرف رحل المنطقة على كونه أولا منتوجا يعود الى ثقافة الرحل القديمة والضاربة في الزمن والتي تعكس غنى المجال الصحراوي للمملكة المتعدد. فأمكار كلمة صنهاجية امازيغية، والرموز الثقافية التي توحى إبان هده المناسبات هي أيضا متنوعة المصادر بين العربي الحساني والصنهاجي وغيره الذي أعطانا ما بات يصطلح عليه الثقافة الصحراوية، وبالتالي بات هذا التصنيف هو احتفاء بهذا المكون البشري الذي استطاع تطوير المجال القاسي والموحش والتآلف معه عبر ميكانيزمات علائقية تبدو للوهلة الأولى بسيطة ولكنها عميقة الدلالات . الدورات المتتالية التي تتحدثون عنها لم تراوح الأجواء الاحتفالية الضخمة التي كان عليها إن لم تتجاوز السنوات الأولى قبل أن تسقط في الرتابة والملل وغياب الجديد، ولم ترقى للأسفإلى ما كنا نطمح إليه وهو إرساء شروط  ديمومة  وبقاء تلك البنيات المنتجة لهذه الثقافة التي آلت إلى الاندثاروالانقراض، فالرحل اختفوا تماما من المجال الجنوبي الصحراوي لمجموعة من الأسباب أهمها أن أبنائهم اهتموا بالتمدرس والمدارس بعيدة، والمستشفيات أبعد وهلم جرا، وهاجروا إلى المدن، هذه القطعان من الإبل والخيام التي تعرض الآن هي شبيهة ببهائم الضيعات، مربوها هم بعض أثرياء المنطقة وبعض النافدين الذين استثمروا في مدن المهرجانات والمواسم ، حتى الخيام أصبحت تصنع بالمدن وتحفظ حتى تؤجرهي الأخرى لهذه المناسبات، وكل شيء مؤدى عنه .

ـ ما هي القيمة المضافة لمهرجان طنطان على مستوى ترسيخ ثقافة الصحراء خاصة والتراث الحساني بكل تقاليده وطقوسه وخصوصياته عامة ؟

++ لا ينكر أحد أن الموسم كان إلى حد الآن احتفاءا حقيقيا بذاكرة المجال الصحراوي بكل تجلياتها الثقافية، وإلى حد الآن حقق تراكما مهما في طريقة التعاطي والتفاعل مع ثقافة الصحراء، لكن يبقى في اعتقادي بعيدا عن الرحل الحقيقيين الذين يمتلكون المعرفة الثقافية، أي أصحاب بنيات الإنتاج المعرفي إن صح التعبير يجب أن يكونوا شركاء فعليين في مثل هذه التظاهرة .

ـ ما هي نتائج وانعكاسات الدورات السابقة على المستوى التنموي محليا ومجاليا ؟

امكار في حقيقته هو سوق كبير أضخم من الأسواق الأسبوعية، وكان الرحل يتهيؤون سنويا لهذه التظاهرة بعد أن يكونوا باعوا قطعانهم وحصدوا محاصيلهم، وظعنوا للراحة فيتنقلون عبرالمواسم المشهورة سابقا "مثل موسم" الشيخ محمد لغظف وموسم سيدي الغازي بكلميم، وغيره وكانت المواسم شديدة الارتباط بنمط الإنتاج الرعوي وبحاجيات هؤلاء الرحل الاقتصادية والاجتماعية.

طانطان منذ مدة هي ملتقى لهؤلاء الرحل، والإنسان الذي يدلف إلى هذه المدينة سيكتشف أنها استحالت إلى حطام من البنايات المتهالكة والطرق الرثة والدورالمهجورة. كل هذا يعكس بنية اقتصادية هشة وهي شبيهة بقرية كبيرة بها كل علامات البؤس، لا فنادق ولا مساكن إيواء ولا دينامية اقتصادية وهي نتيجة لتدبير ريعي، الكل فيها يعيش على الريع. أثرياء المدينة اغتنوا على حسابها، بكونها قريبة من محاور التهريب وتعتمد على الإعانات الحكومية، اكتفوا فقط ببناء بعض المساكن الراقية لأنفسهم، بينما استثمروا خارج الإقليم. والرحل غير قادرين الآن على مواجهة ظروف المعيشة القاسية بهذه المدينة، وبالتالي ادعوا القائمين الآن على مؤسسة المكار او الموسم، بعدم السقوط في شرك هؤلاء النافدين، و أدعوهم إلى الاستعانة بشركاء حقيقيين للنهوض بهذه المدينة وتحويلها إلى وجهة سياحية واقتصادية على الأقل مادامت تمتلك امكانيات هائلة بحرية وفلاحية رعوية .

ـ هل من اقتراحات عملية لإبراز التراث الإنساني غير المادي على مستوى أقاليمنا الصحراوية وكيف هو السبيل لجعل موسم طنطان قبلة سياحية ثقافية تراثية على المستوى العالمي؟

++ الموسم هو تراث عالمي، وليس محلي أوإقليمي وبالتالي بإمكانه أن يكون جمعا سنويا للرحل أينما كانوا، بل أن العديد من المنظمات والمؤسسات وحتى الحكومات الدولية المهتمة بهؤلاء ستكون يوما ما شريكا في هذه التظاهرة وليس فقط موسما إقليميا رتيبا وشاحبا، هذا الذي تسعى إليه اليونيسكو إذا تم فعليا استحضار ما دعاها الى الاعتراف به ، حتى لانسقط أيضا في كونه يهم أهل طانطان لوحدهم، فهو مناسبة عالمية تهم الرحل أينما كانوا.