وجه مجموعة من قدماء ضحايا سنوات الرصاص نداء إلى الرأي العام معتبرين إياه بمثابة عريضة مقرونة بالتوقيعات، يدقون عيره ناقوس الخطر ويدعون "إلى مزيد من الحذر واليقظة. فليست المكتسبات وحدها من يتعرض للإجهاز، وإنما قيم المواطنة والحداثة والديمقراطية والتقدمية"، هذا نصه:
"تحل ذكرى حظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، 24 يناير 1973، الذي ظل حظرا قانونيا وواقعيا بمجرد شن الحملة القمعية الشرسة لأطر ومناضلي هذه المنظمة الطلابية العتيدة، والتي حرص جميع المنتمين لها، منذئذ على اعتبارها الموحد الفريد الذي نجح في تمثيل جميع التعبيرات السياسية والتقدمية والوطنية الديموقراطية، بتنسيق الجهود وتوحيد الإمكانيات على أساس مبادئها الأربعة من تقدمية وجماهيرية وديموقراطية واستقلالية.. هذا الشعار تمثله الطلبة قيادات وأطر وقواعد ومتعاطفين ، فكان المشترك الوطني متسعا ومستوعبا لمطلب التعددية والحق في الاختلاف، رغم مناورات النظام السياسي ورغم الانتهاكات الجسيمة التي طالت الأغلبية الساحقة منهم ومنهن. ولعل التضحيات والقمع والمعاناة والاعتقال التحكمي والاختفاء القسري، وما صاحبها من تشريد وتعذيب، وكذا الاغتيال خارج نطاق القانون والقضاء، هي العنوان الجلي للمشترك الحقيقي بين جميع القوى الحية في البلاد، مما يجعلها مناسبة للتقييم والتقويم.
فقد جرت مياه كثيرة، من تحت الجسر، وحصلت تحولات في السياق، وتمت تسويات سياسية ومصالحات بينية، توجت في ما يسمى بالعهد الجديد بالتوافق حول ثمرة ما صار الأغلبية يتبنونه من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، والتي صادقت على جميع مقتضياتها أعلى سلطة في البلاد.
وإذا كان ضحايا سنوات الرصاص وذوو حقوق مجهولي المصير ومعهم الحلفاء من فاعلين حزبيين سياسيين وطنيين وديموقراطيين، وكذا الحقوقيين والنقابيين والاجتماعيين والجمعويين والمثقفين وجميع من لسعتهم نار الجمر والرصاص، من تلاميذ وفلاحين وكافة فئات الجماهير الكادحة والضحايا غير المباشرين، قد قبلوا بهذه الثمرة كحد أدنى قابل للتطوير كوسيلة ومداخل لتوسيع دائرة الضوء، خاصة فيما يتيحه من إمكانية القطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة بإقرار ضمانات عدم تكرارها وبسن استراتيجية عدم الإفلات من العقاب، دون التخلي عن مطلب استكمال الحقيقة والمساءلة، في أفق استئصال الفساد والاستبداد، وكان للحراك الفبرايري دور للتذكير بمطالب الإصلاح الدستوري والسياسي والمؤسساتي والتشريعي ، وما رافقه من رفع للخوف ورد الاعتبار للنضال الجماهيري وعودة الروح للفضاء العمومي وإنعاش الحق في التعبير والاحتجاج، خارج دواليب المجال السياسي المغلق.
لكن، وبعد صدور دستور يوليوز 2011، توافقت إرادات هنا وهناك فأفرزت صناديق الاقتراع ليوم 25 نونبر من نفس السنة، وما صاحبها من ترتيبات، عن تسمية حكومة غير منسجمة وبرئاسة حزب له علاقة متوترة مع المعايير الكونية لحقوق الإنسان، الشيء الذي سهل عودة المحافظة إلى المشهد السياسي وتكريس تماهي السياسة مع الدين. وها قد مرت لحد الآن زهاء أربعة سنوات ونيف، دون أن تعرف دائرة الضوء المسجلة أي اتساع، بل إن الشق الحقوقي في الدستور عرف تأجيلا وتسويفا وتماطلا من حيث ترتيبه في المخطط التشريعي للحكومة، وبشكل مواز، عرف مسلسل إصلاح منظومة العدالة توقفا ولم يحصل التراكم المطلوب، بل إن المشهد الحقوقي عرف ردة حقيقية، جراء الانتهاكات المتواترة والهجوم على الحقوق والحريات والمكتسبات، وكذا الشطط في استعمال السلطة والنفوذ وإنتاج خطاب المظلومية المغلف لإرادة دفينة في الاستئصال والاستئساد، فليس المستهدف المجتمع وحده بل الدولة نفسها والوطن.. ومع تزامن هذه الوقائع مع الأخطار التي تتهدد البلاد، من إرهاب وهابي ومد رجعي متصاعد، الشيء الذي يقتضي معه الأمر دق ناقوس الخطر ويدعو إلى مزيد من الحذر واليقظة. فليست المكتسبات وحدها من يتعرض للإجهاز، وإنما قيم المواطنة والحداثة والديمقراطية والتقدمية. ولن يكفينا قول كفى ولا الإدانة، وإنما لا مناص من تحريك الصفوف بعد توحيدها".
(ملحوظة: الحملة تحت إشراف ومسؤولية الأستاذ مصطفى المنوزي رئيس المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف)