أرقام صادمة عن الريع البرلماني الذي يطالب الشعب بإسقاطه

أرقام صادمة عن الريع البرلماني الذي يطالب الشعب بإسقاطه

(...) أقول لكم أيها النواب، وأقول لكم أيها المنتخبون، إنكم متشبثون بالحصانة فقط، ومتشبثون بما تتقاضونه كل شهر من الدولة، أطلب منكم أن يكون لكم ضمير مهني كاف لكي تعطوا لتلك الدولة، وذلك الشعب المقابل للشيء الذي تتقاضونه».

 

هذا ما قاله المرحوم الحسن الثاني في خطابه يوم 29 مارس 1965 عقب الأحداث الدامية التي عرفتها الدارالبيضاء آنذاك. وهو بذلك كمن توقع بأن العديد من البرلمانيين على امتداد الولايات التشريعية التي عرفها المغرب، لن ينشغلوا بهموم الشعب بقدر ما ينشغلون بامتيازاتهم ومصالحهم وما يوفره المنصب التمثيلي من «وجاهة» و«حصانة».

هذه الفجوة التي كبرت بين البرلمانيين والمواطنين أفرزت إلى السطح قضية مؤرقة تتمثل في التعويضات الخيالية التي يتوصل بها البرلمانيون كل شهر فضلا عن الكلفة الباهظة التي تتحملها الخزينة العامة بشأن تقاعدهم وتأمينهم وتنقلاتهم وإيوائهم وإطعامهم وأسفارهم.

وكل ذلك مقابل أن ينتجوا نصا قانونيا واحدا في السنة (!) وبدون أن يلمس المواطن أنه مسنود ببرلمان قوي يراقب الحكومة ويقوم اعوجاجها ويحمي المصالح العليا للوطن والمواطنين.

في هذا الإطار ارتأت «الوطن الآن» تقديم ورقة لتنوير الرأي العام حول الكلفة الحقيقية للبرلمان عبر السفر بالقارئ في مختلف الأزمنة والولايات التشريعية السابقة للمقارنة بين ما كان يتقاضاه البرلماني في السابق وبين ما يحصل عليه اليوم من امتيازات مادية. وهناك مستويين للتطرق لذلك.

المستوى الأول: يهم تعويضات البرلمانيين، بينما المستوى الثاني يخص الميزانيات المرصودة للمؤسسة التشريعية المقتطعة من أموال الخاضعين للتكليف الضريبي.

تعويضات البرلمانيين

 

 

يتعين الإشارة إلى أن المراسيم التي تتعلق بتعويضات البرلمانيين لم تنشر بالجريدة الرسمية، باستثناء المرسوم الملكي رقم 1.46.65 بتاريخ 8 أبريل 1965، الذي يلغي المرسوم رقم 1.64.140 بتحديد نظام التعويضات والمنافع الممنوحة لأعضاء البرلمان غير المنشور.

كما يتعين التذكير بأن هذه التعويضات التي لم تكن تتعدى 3.000 درهم برسم الولاية التشريعية الأولى، قبل أن تصل إلى 4.000 درهم في الولاية التشريعية الثانية، لتصل في الولاية التشريعية الثالثة 10.000 درهم، وقبل نهاية هذه الولاية الثالثة ارتفعت إلى 16.000 درهم. وحافظت على نفس المقدار في الولاية التشريعية الرابعة إلى حدود السنة التشريعية 1990 - 1991 حيث وصلت إلى 30.000 درهم، وبقيت بنفس المقدار خلال الولاية التشريعية الخامسة والسادسة وبداية الولاية السابعة إلى حدود السنة التشريعية 2004 - 2005 حيث بلغ التعويض لفائدة البرلماني 36.000 درهم شهريا.

الميزانيات المرصودة للبرلمان

 

 

بلغت الميزانيات العامة المخصصة للولاية التشريعية الثالثة 1977/1983 المدرجة في القوانين المالية ككل ما مجموعه: 245.170.498 درهم.

أما الميزانيات العامة المخصصة للولاية التشريعية الحالية المدرجة في القوانين المالية للسنوات الأربع الماضية (من 2012 إلى 2015) فبلغت بالنسبة لمجلس النواب ما مجموعه :1.622.771.000 درهم. وإذا أضفنا ميزانية 2016 البالغة نفس القدر يصبح المبلغ كالآتي: 2.035.192.000 درهم، أي أكثر من تسع مرات من الميزانية المرصودة للولاية التشريعية الثالثة ككل 77/83. ولإعطاء فكرة وأمثلة عن ميزانية مجلس النواب لسنة 2015، ومقارنتها مع ميزانيات الولاية التشريعية الثالثة 77/83، نجد ما يلي:

1 - تعويضات النواب في ميزانية 2016 بلغت: 176.240.200 درهم (أكثر من 17 مليار ونصف المليار سنتيم يلتهمها النواب كتعويض) أي أكثر من مجموع الميزانيات المخصصة لسنوات 1979، و1980، و1981، و1982 والتي بلغت آنذاك: (173.197.821 درهم.)

2 - مساهمة الدولة في تقاعد أعضاء مجلس النواب بلغ 13.746.000 درهم، يضاف له مصاريف التأمين :8.924.000 درهم، ثم نقل النواب داخل المغرب:3.000.000 درهم، ونقل النواب إلى الخارج: 3.360.000درهم، وتعويضات تنقل النواب وتغيير الإقامة داخل المغرب:19.000.000 درهم، ثم تعويضات المهمة بالخارج لفائدة النواب: 3.620.000 درهم، ومساعدة لفائدة الفرق والمجموعات النيابية :5.000.000 درهم. أي أن مجموع هذه المصاريف يصل إلى 56.650.000 درهم، وهو ما يمثل أكثر من الميزانية المخصصة لسنة 1982 التي بلغت:47.090.551 درهم.

طبعا، نحن هنا اقتصرنا على المبالغ المخصصة للنواب ولم نتطرق لتلك التي ترصد للماكينة الإدارية (موظفين وما يتطلبه ذلك من أجور وتعويضات) وتسيير (معدات مكتبية ولوازم بصرية وسمعية إلخ...) وهو ما سنعود إليه في مناسبة أخرى. وهنا تنتصب الأسئلة الكبرى: ما هو المقابل الذي يتوصل به المواطن نتيجة تحمله لهذه الكلفة الباهظة للتمثيلية البرلمانية؟ هل الاقتصاد المغربي والناتج الداخلي الخام بالمغرب يسمح بأن تكون للمغرب هذه الأعداد الهائلة من النواب (ومن المستشارين). وبهذه التعويضات السخية لكل نائب ولكل مستشار؟

وحتى على افتراض أن «الديمقراطية المغربية» يتعين أن يكون لها كلفة، فما هو المقابل السياسي: هل هناك مساهمة للبرلمان في ضمان الاستقرار القانوني والمادي والأمني والسياسي بالبلاد؟ هل هناك تأطير للأحزاب وحضور ميداني لمنتخبيها لالتقاط وسماع نبض الشارع؟.