مصطفى عدنان:الاستثناء التونسي ( مع فيديو)

مصطفى عدنان:الاستثناء التونسي ( مع فيديو)

بمنح جائزة نوبل للسلام للرباعية التونسية، التي تسلمتها هذه الأخيرة رسميا بالعاصمة النرويجية أوسلو، يوم الخميس 10 دجنبر الجاري، يكون العالم الحر، عالم الديمقراطية و حقوق الإنسان و كرامته، عالم حسن التدبير، عالم الغرب-القدوة و الاستثناء، قد اعترف لتونس وحدها بتميزها، و كرمها على ذلك.

ظلت تونس بالفعل متميزة، مؤكدة للاستثناء، على صعيد المغرب الكبير الذي كل دوله صغرى و ضعيفة في حاجة دائمة إلى دعم خارجي لكي تعيش، و على صعيد المجموعة العربية، و حتى المجموعة الاسلامية ( إذا استثنينا تركيا و باكستان و ماليزيا و أندونيسيا). و سبقت "تونس الفتاة"، في بداية القرن العشرين، على الصعيد المغاربي، كل من المغرب و الجزائر و ليبيا في تنظيم الشارع و تعبئته، و نضرب مثلا على ذلك أيضا بالجمعية الخلدونية التي أسسها تلاميذ المدرسة الصادقية، بعقود قبل أن يلج عندنا تلاميذ ثانويتي مولاي إدريس و مولاي يوسف ساحة العمل الوطني.

كان للتونسيين وعي مبكر بأهمية التحديث و بناء الدولة البديلة، الدولة التي تستعيد الاستقلال لتعيد بناء الأمة، بدل الدولة التي فوتته و أخضعت الأمة لسيادة سياسية و سيطرة عسكرية و إدارية و اقتصادية من خارجها، في إطار نظام الحماية الفرنسية الذي تكرر في المغرب. و قد استفادوا في ذلك من أثر إصلاحات خير الدين باشا. و تجلى ذلك بوضوح لدى الحزب الدستوري، و أكثر من ذلك لدى الحزب الدستوري الجديد بزعامة الرئيس الحبيب بورقيبة. لقد سعى هذا الأخير قبل استقلال تونس إلى التحضير لتأسيس الجمهورية، بديلا عن نظام البايات الموروث عن الهيمنة التركية، و نجح في ذلك في 25 يوليوز 1957، بإصدار المجلس التأسيسي لقرار عزل الأمين باي، و تأسيس الجمهورية التونسية.

رمى بورقيبة بآخر نظام وراثي موروث عن الإمبراطورية التركية، و هدف إلى بناء جمهورية علمانية، فصنفت سياسته في خانة التيار المعادي للدين. و يحسب للسياسة البورقيبية التأسيس لسياسة جديدة، و إدخال فكر سياسي جديد إلى الساحة الشمال إفريقية من سيناء إلى الرباط. غير أن ممارسة الحكم لمدة طويلة و سعي "المجاهد الأكبر" إلى الحفاظ على السلطة، على حساب ديمقراطية يكون فيها التناوب الناتج عن صناديق الاقتراع هو القاعدة في الحكم، جعلت التجربة التونسية تبدو شبيهة في الغالب بما يجري في باقي بلاد المغرب و مصر. لكن ما يحسب للتجربة البورقيبية هو تكريسها لمبدأ الشرعية الدنيوية المكتسبة، و أقول الشرعية اللائيكية، رغم أنه وريث دولة لها تجربة دينية و فقهية طويلة الأمد.

أما نظام زين العابدن بن علي السيئ الذكر فهو تشويه للإرث البورقيبي، و طمسا للاستثناء، لذلك ظل فاشلا على المستوى السياسي و المدني و ناجحا على المستوى الأمني. لكن هذا النجاح الأمني غير دائم، إذ استطاع الشارع المسيس هدم أركان الآلة الأمنية الزينية ( نسبة إلى زين العابدين)، و تشريد الرئيس-الشرطي الذي كان مجرد زعيم مافيا و عصابة سياسية، و إعادة بناء الدولة في إطار الجمهورية الثانية.

و إن ثورة الياسمين، كاستثناء تونسي، و أصل الجمهورية الثانية، ليست مسؤولة عن الانحرافات الأمنية، بل إن هذه الانحرافات إفراز للسياسة الزينية السابقة، سياسة العصابة التي كانت مستبدة بالبلاد، و التي لخصها السياسي المخضرم ابن المدرسة البورقيبية، الرئيس الباجي قائد السبسي، في استشهاده بقولة للمؤرخ ابن أبي الضياف مؤلف "اتحاف أهل الزمان": " أوتيت ملكا لترعانا فأكلتنا أكل الذئاب. أذئب أنت أم راع؟". فتحية لتونس، و للرباعية التونسية، و للرئيس الباجي، و لبناة الدولة التونسية الجديدة، و للاستثناء التونسي.         

رابط الفيديوهنا