.. وما المانع من أن يقوم المغرب، ومن جانب واحد، بتنظيم استفتاء حولالصحراء يشارك فيه كل المغاربة؟ ما المانع من طرح سؤال واحد على المغاربة كلهم من طنجة إلى الكويرة: هل تريد أن تبقى الصحراء مغربية أم لا؟ ما المانع من استلهام نموذج روسيا مع جزيرة القرم، وما تلا ذلك من استفتاء ثم مباركة الرئيس الروسي بمقتضى مرسوم؟
نعم، الأغلبية الكاسحة جدا للمغاربة مع الصحراء المغربية، ولكن الاستفتاء ليس موجها للمغرب، بل ستكون نتائجه موجهة للخارج، الذي سيقف على معطى قانوني: ألا وهو أن الصحراء قضية شعب المغرب بالقانون وبالاستفتاء وليستقضية شعب بـ«الهضرة».
فالجزائر والبوليزاريو يخلقان الوهم ويجعلان العديد من دول العالم تعيش في الوهم، فما الذي لا يمنعنا نحن المغرب من أن نخلخل القناعات والمعتقدات السائدة لدى البعض.
فالاستفتاء كما طرحته الأمم المتحدة استحال تنفيذه ولم تتمكن من أجرأته منذ وقف إطلاق النار إلى حدود 2004 تقريبا، تاريخ حصول القناعة لدى «فانهالسن» باستحالة تنظيم استفتاء بالصحراء.وباستحالة تنظيم هذا الاستفتاء يبقى المدخل الوطني (استفتاء داخلي) هوالحجة لإسكات الآخر الذي سيقف بأم عينيه على أن الصحراء «ملحمة شعب» وليست رهان حكومة.
فالمغرب حسم الملف ميدانيا وعلى الأرض بقوة جيشه وصلابة جداره الأمني، ويبقى المطلوب هو أن يكون أكثر هجوما على الساحة الدبلوماسية، فأحسن دفاع هو الهجوم على معاقل الخصم.
إن نازلة السويد أظهرت أن بعض النخب دب إلى أوصالها الارتخاء، واختلط عليها الأمر منذ 1991. فعام 1991 هو عام يؤرخ بوقف إطلاق النار الذي تمتحت إشراف الأمم المتحدة بين المغرب من جهة والبوليزاريو والجزائر من جهةأخرى ولم تكن سنة 1991 عاما لطي الملف، إذ ما أن انتهت الحرب التقليدية التي تتواجه فيها الجيوش بمختلف أنواع الأسلحة، حتى انطلقت حرب أشرس من طرف الجزائر في مختلف المحافل الدولية مسنودة بأموال البترول والغاز المهرب من جيوب الجزائريين بهدف تركيع المغرب إما لشراء الرؤساء والوزراء والبرلمانيين أو لشراء المنظمات المدنية الدولية لإصدار المواقف ضدبلادنا.
إن المغرب الذي تمكن من فتح أربعة أوراش كبرى منذ صيف 1999، والتي ساعدتهعلى اكتساب مساحات عديدة في الساحة الأوروبية والأمريكية والإفريقية (ورش طي سنوات الرصاص + ورش المشاريع الترابية المهيكلة + ورش محاربة الهشاشة والورش الاقتصادي) مطلوب منه اليوم أن يكمل السلسلة، بإضافة ركن خامس أوورش خامس ليس لحشد الدعم فقط للطرح المغربي بخصوص ملف الصحراء، فهذا أمرمحسوم ميدانيا مادام المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، ولكن لإرهاق الجزائر والزيادة في إنهاكها. ويتطلب الأمر الرفع من الاعتماد المخصص للديبلوماسية عبر ثلاثة مداخل:
المدخل الأول: التوجه للشعب ليساهم كل مواطن بدرهمين في الشهر، أي ما يمثل 24 درهم في العام بدفعها المواطن بما سيوفر مبلغا قدره 720 مليون درهم سنويا.
المدخل الثاني: التوجه لأصحاب الثروة الكبرى ليتقسموا حصة الشعب (72 مليارا) كل حسب حجم ثروته. فثروة أنس الصفريوي ليست هي ثروة لعلج، وثروةم ولاي حفيظ العلمي ليست هي ثروة إدريس النقطة وثروة عثمان بنجلون ليست هي ثروة حسن الدرهم، وهكذا دواليك. إذ لا يعقل أن يحقق هؤلاء ثرواتهم الباذخة من امتيازات خيالية خولها لهم المشرع دون أن يساهموا في هذا المجهود الحربي
الذي تواجهه البلاد. خاصة وأن حفلا واحدا ينظمه واحدا من هؤلاء الأثرياء يكلف 2 أو 3 مليار سنتيم لاستدعاء هيفاء أو هيشاء من ا لشرق العربي لأداء بعض الأغاني في الحفل وتعود أدراجها إلى وطنها.
المدخل الثالث: أن تخصص الدولة مساهمة بقدر ما ساهم به الشعب والأثرياء (72 مليار سنتيم لكل فئة)، أي أن الدولة عليها رصد 114 مليار سنتيم كحصة إضافية.وبالتالي سيمكننا هذا المونطاج المالي من التوفر على 288 مليار سنتيم إضافية كل عام تخصص لديبلوماسية هجومية في كل المواقع التي تنشط فيها الجزائر والبوليزاريو. إذ من العار أن يكون مصير المغرب معلقا بملف الصحراء، ولا يرصد لديبلوماسيتنا سوى حوالي 80 مليار سنتيم كل عام، ولايعين سوى 1600 ديبلوماسي في كل أصقاع العالم (انظر صفحات غلاف العددالحالي). أي أن المغرب لا يخصص سوى 2191 درهما في اليوم للصحراء.
بالله عليكم، اعطوني دولة كان لديها تراب متنازع عليه في الأمم المتحدة وكانت تخصص له 41 ألف ريال في اليوم؟ ففي أي وجه سينفق هذا المبلغ؟ أي هلعلى حفل عشاء بـ «كاس نقي» يجمع ديبلوماسيي المغرب مع سياسيين ورجالأعمال وفنانين بالخارج أم على ندوة؟ أم على رحلة لجامعيين وصحفيين وجمعويين وبرلمانيين أجانب من دول المعمور لزيارة المغرب والالتقاء بنخبهوأناسه؟
إن انتقاء الكفاءات «للي عندها الكبدة» لتمثل المغرب في السفارات والقنصليات والرفع من حجم الموارد البشرية العاملة في الحقل الديبلوماسي لتخفيف العبء وتقاسم المهام مع التفكير في إحداث ملحقين حزبيين (حسب كلعائلة سياسية) بالسفارات أو تنظيم زيارات دورية للأحزاب المغربية والمنظمات المدنية لكل دول العالم لمن شانه أن يمطر المغرب بكرم اللهوفضله (لأن الله هو الحق المطلق وهو الذي يحب العبد الملحاح) ولمن شأنه أن يطيل غصة المغرب في حلق النظام الجزائري.