ما هي مقومات تسويق صورة سوداء عن العرب والمسلمين كقتلة وكسفاكين للدماء وكشعوب ممزقة ومحبطة ومهجرة ومستعبدة ؟
إليكم الوصفة السحرية:
أولا: التوفر على قاعة من حجم 150 متر مربع مزخرفة ومؤثتة بشكل فاخر
ثانيا: حشد ستة أو سبعة ناطقين باسم الأمم المتحدة مرتين في الأسبوع، يومي التلاثاء والجمعة على الساعة 10 والنصف صباحا لمدة ساعة أو ساعة ونصف
ثالثا: صحفيون ينتمون لكبريات وكالات الأنباء والمؤسسات الإعلامية الغربية (أوربا والولايات المتحدة أساسا).
والآن ما هي الوجبة وكيف تطبخ؟
الجواب سهل جدا: يصعد للمنصة الناطق باسم الأمم المتحدة في جنيف ويرافقه ستة من الناطقين باسم الهيآت الأممية الأخرى المتخصصة في مجال معين، ويشرعون في إمطار الصحفيين الحاضرين المعتمدين لدى قصر الأمم المتحدة، بالبيانات والتصريحات الخاصة بأحداث اليوم والأسبوع. فيتلقف هؤلاء ذلك "الوحي" وينزلون إلى الطابق السفلي بقصر الأمم المتحدة حيث وفرت لهم مكاتب مريحة ومجهزة بكل ما يحلم به الصحفي (هاتف بخطوط مجانية، انترنيت، طابعات، معدات راديوفونية وبصرية، إلخ...) ويبعثون التقارير إلى وكالاتهم ومؤسساتهم لتعممه على العالم.
والمصيبة أن معظم الصحف والإذاعات والتلفزات العالمثالثية تنسخ من هذه الوكالات العالمية بشكل أعمي وأغبى بدون مسافة نقدية أو تحليلية، وبذلك تتم قولبة الرأي العام العالمي وفق الخطة والصورة المرسومة من طرف الدول العظمى.
وكمثال على ذلك، حضرت "أنفاس بريس" صباح يوم الثلاثاء 15 شتنبر 2015 لمطبخ صناعة وقولبة الرأي العام العالمي في القاعة 3 بالطابق الأول بقصر الأمم المتحدة بجنيف لوجبة دسمة عنوانها: "كيف تذبح المسلمين والعرب وتسلخهم في دقيقة".
في البدء صعد الناطق باسم الأمم المتحدة بجنيف، الإيطالي "ميشيل" إلى المنصة. ثم شرع في المناداة على الناطقين بالهيآت الأممية المتخصصة الأخرى الواحد تلو الآخر،لإعطاء التوجيهات المغلفة ب "تصريحات صحفية"، وهم على التوالي:
-الفرنسي "كريستوف بولييراك" عن اليونيسف
-النرويجي "مينس ليرك" عن مكتب التنسيق الإنساني
-الأمريكية "ميليسا تليمينغ" عن مفوضية اللاجئين
-البيروفي " رونالدو غوميز" عن مجلس حقوق الإنسان
-البريطانية "دويل" عن المنظمة العالمية للهجرة
-الأمريكية (حديثة التعيين) عن برنامج الأغذية العالمي
وكل تصريحات هؤلاء كانت منصبة فقط على سوريا واليمن والعراق واليمن وليبيا ولبنان. فهذا يتحدث عن الأطفال المحرومين من التعليم بسبب الحرب في سوريا، وذاك يتحدث عن المجاعة في المخيمات الخاصة باللاجئين بلبنان والأردن،وتلك تخصص مداخلتها للنزوح الجماعي للسوريين والعراقيين نحو الفردوس الأوربي، ورابع يتناول العجز الحقوقي في البلدان الإسلامية وخامسة تعطي أرقام عن العرب المهاجرين، وسادسة تتبجح بالسخاء الغربي لإطعام البطون الفارغة في أماكن التوتر بالمنطقة العربية. بمعنى أن المرء يخرج بانطباع وكأن الحروب والدمار والتمزقات هي لعنة عربية خالصة. علما أن هناك مناطق ملتهبة بالعالم سواء بأوربا أو أمريكا أو آسيا ومع ذلك لايتم تسليط الضوء عليها بالكيفية التي تسلط الأضواء على بؤر التوتر بالعالم العربي.
ولم يتم الحديث من طرف صناع "قولبة " الرأي العام الدولي، إطلاقا عن مسؤولية الدول العظمى في تدمير الدول الإفريقية والعربية عبر التدخل العسكري والاستخباراتي وتفكيك بنية الدولة بهذه المناطق. لم يتم الحديث أبدا عن الاحتقار والعنصرية التي تتعامل بها أوربا مع المهاجرين المقيمين في بلدانها بشكل شرعي، ولم ينبسوا ببنت شفة عن أسباب تلكؤ الدول العظمى في رفض المصادقة عبى اتفاقية المهاجرين الذين يحرمون من الحق في التجمع العائلي والإعفاء من الازدواج الضريبي ومن حق الضمان الاجتماعي في بعض دول اوربا. لم يتم أصلا الإشارة إلى خرق الدول العظمى للاتفاقيات الخاصة بالحق في التنقل والقيود الكارثية التي تضعها هذه الدول للحصول على الفيزا وكيف تتم احتقار آدمية المواطن العربي الراغب في زيارة أوربا أو أمريكا (ولو كان طبيبا أو فنانا أو شاعرا أو مقاولا أو مريضا ). لم يتم الكشف نهائيا عن جرائم النهب التي تقوم بها شركات الدول العظمى لمص ثرواث الدول العربية والإفريقية بحماية عسكرية ومخابراتية أمريكية أوربية.
فالعالم في نظرهم مقسم إلى شطرين: شطر لا يضم سوى المآسي والفظاعات وهو العالم العربي والإسلامي، وشطر وردي زاهر لايضم سوى المانحين والودودين والعاطفين والحاملين للقيم الإنسانية وهو العالم الغربي المسيحي.
وهذا هو الميساج الخطير الذي يبتلعه العرب والمسلمون صباحا ومساء كل يوم في عقر دارهم وهم ممددون في الفراش يستهلكون - عبر التلفزة - الأخبار المطبوخة (ياحسرتاه) في القاعة 3 بقصر الأمم المتحدة بجنيف.