نظم المجلس العلمي لسطات يوم الثلاثاء 10 فبراير 2015 بالقاعة الكبرى للولاية، المهرجان الثاني للسيرة النبوية العطرة في موضوع "التأسي الهادي والتجلي الباني".. وقد ألقى بالمناسبة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي، رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة مراكش، مداخلة في "صورة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وصفاته وطبيعة رسالته الخالدة"، نعرضها في ما يلي:
"يكتسي موضوع السيرة النبوية في الوقت الراهن أهمية قصوى، حيث تجتاز الأمة الإسلامية مرحلة عصيبة، تعيش فيها كثير من البلاد الإسلامية أوضاعا مزرية وصراعات داخلية رهيبة، وتهديدا للأمن والسلام إقليميا ودوليا.. ومهما حاول المرء تبرير ذلك، أو إلصاقه كله أو بعضه بالآخر، فإن مسؤوليات المسلمين، تبقى في كل الأحوال راجحة، أو على الأقل مساوية، مما يدعو أهل العلم والسياسة والإصلاح، ورجال الفكر والأدب والاجتماع، وكل الطاقات الحية من أبناء هذه الأمة، إلى القيام بواجبهم في هذا المضمار، وتحملهم لمسؤولياتها في هذا الإطار، بالتذكير بالقيم الإنسانية الخالدة التي جاء بها رسول الإنسانية، والتي هي وحدها الكفيلة بتجنيب البشرية، الوقوع في كثير من الكوارث والمآسي.
لقد بهرت شخصية الرسول الكريم الناس جميعا، حتى من غير المسلمين، مما عبر عنه المنصفون منهم بصريح العبارات وواضح الإشارات، بالشكل الذي لا يتسع له المجال في مثل هذا الموجز.. ومن هنا كانت الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الجارحة لمشاعر المسلمين الملصقة به صفة الإرهاب، نشازا وافتراء على الحقيقة والتاريخ.. وإن دلت في الوقت ذاته (للأسف الشديد) على عدم قيام المسلمين بالواجب في تقديم الصورة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسالته إلى الناس كافة، وهو ما اهتم به الصحابة الكرام رضي الله عنهم منذ عصر النبوة، فسجلوا لنا بدقة وأمانة، صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرقة المتألقة خَلقا وخُلقا...
أما تلك الرسوم و الصور المزعومة والكتابات الرخيصة، فلا تصور شخص رسول الله وأخلاقَه أبدا، لا على الحقيقة ولا على التأويل، وإنما تعكس نفسية الرسام الذي رسمها أو الكاتب الذي كتبها، وثقافته التي استقى منها تصوره.. وقد يكون ذلك ناتجا عن الجهل بسيرة رسول الله من جهة، وعن قصور المسلمين في إعطاء الصورة الحقيقية لرسولهم الكريم.. وإلا فإن صورته صلى الله عليه وسلم الخارجية الظاهرة، تنبئ عن صورته الداخلية المرتسمة على وجهه الشريف، كما قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه:
"لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه وقيل: قدم رسول الله، قدم رسول الله، فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استبنت وجه رسول الله عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب..." (الحديث).
ثم إن الرسام الكاريكاتوري في الغرب، لا يعدو كونه يصب حقده وكراهيته على رسم يدعي أنه لرسول الله، في حين أنه إنما يرسم نفسيته وحقده من خلال تطرف المتطرفين من أبناء هذه الأمة، الذين عادوا بها (للأسف الشديد) إلى الوراء بأكثر من مائة عام...
وإلا فإن طبيعة الرسالة المحمدية وخصوصياتها، كما هو معلوم، أكبر من أن تنال منها مثل هذه التصرفات الرعناء، والرسومات الساقطة البليدة...
نذكر من ذلك في هذه العجالة:
1 – الوسطية، وهي سر قوة الإسلام وبقائه واستمراره "وكذلك جعلناكم أمة وسطا".. وجاء في الأثر: "خير الأمور أوسطها".. و ظمها ناظم فقال:
خير الأمور الوسطُ .... حب التناهي غلطُ
والأمة مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تصحيح صورة الإسلام لدى الآخر: الإسلام في سماحته وقيمه وأخلاقه، وفي تكريمه للإنسان، ونشره للمحبة وكراهية الظلم والعدوان، والتعريف بالسيرة النبوية في صفائها و تألقها...
2 - الإنسانية: الإسلام دين الإنسانية، ورسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لم يرسل إلى العرب خاصة، ولا إلى العجم خاصة، بل أرسل الله إلى الناس كافة. وكتاب الله يفيض بالآيات الدالة على إنسانية الإسلام.. يكفي أن نذكر منها في هذه العجالة الآية الكريمة التي قال فيها الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
3 - كونية قال الله تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" الأنبياء 107 جمع عالم، وهو كل ما سوى الله تعالى من الإنس والجن والملائكة وسائر المخلوقات... وقيل: العالم عالمان: الكبير وهو الفلك بما فيه والصغير وهو الإنسان لأنه مخلوق على هيئة العالم، وقد أوجد الله تعالى فيه كل ما هو موجود في العالم الكبير..
وينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله:
أَتَزعُمُ أَنَّكَ جِرمٌ صَغير .... وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ...