سعيـد موقـوش: مرسوم دعـم الأرامـل والإشكـالات القانونية

سعيـد موقـوش: مرسوم دعـم الأرامـل والإشكـالات القانونية

ظل موضوع النساء الأرامل بالمغرب منذ ردح من الزمن، خارج دائرة النقاشات الحقوقية، بحيث لم تحض هذه الفئة بنفس الاهتمام الذي حضيته فئات اجتماعية أخرى تنتمي إلى نفس الحقل، كالنساء المطلقات، الأمهات العازبات، زواج القاصرات... وغيرها من الفئات التي تجمعها يافطة القهر الاجتماعي بتاء التأنيث.

ففي دراسة للمندوبية السامية للتخطيط صادرة سنة 2012، تحمل عنوان: "النساء المغربيات وسوق الشغل: الخصائص والتطور"، أفادت بأن حوالي مليون ومائتي ألف أسرة، من أصل 6 ملايين و800 ألف أسرة مغربية، أي أكثر من 17% من الأسر المغربية تعيلها نسـاء.

فوراء هذه الأرقام يقف طابور من المعاناة النفسية والاجتماعية، لنساء يعشن الهزالة والترمّل على أكثر من مستوى. لأجل هذا تدخل المشرع بإصدار المرسوم رقم 2.14.791 بتاريخ 04 ديسمبر 2014، والمتعلق بتحديد شروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشـة، الحاضنات لأطفالهن اليتامى، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6318 بتاريخ 18 ديسمبر 2014.

وتقعيدا عليه، سنعمل على جـرد أهم الإشكالات القانونية المرتبطة بهذا المرسوم. هذا على أساس أن الحديث عن الإشكالات العملية المرتبطة بتنزيل مقتضياته، هو نقاش سابق لأوانه، لكون هذا الأخير دخل للتّـو حيز التنفيذ.

هكذا يمكن القول إن المرسوم المتعلق بتحديد شروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى، يطرح جملة من الإشكالات القانونية، والتي نصوغها كالتالي:

أولا: لقد تمّ تهريب مقتضيات هذا القانون من طرف السلطة الحكومية، وجعله في منأى من انتقادات السلطة التشريعية، وذلك عبر إعمال آلية المراسيم، حيث تم إصدار هذا القانون عبر تقنية المرسوم، الذي لا يحتاج سوى أن يأخذ تأشيرة المجلس الحكومي، لكي يجد طريقه للنشر بالجريدة الرسمية، وذلك على خلاف الطريقة التي تـمّ بواسطتها تنزيل صندوق التكافل العائلي، الذي كان عبارة عن مشروع قانون، شهد مناقشة لمقتضياته داخل قبة البرلمان.

كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن الدعم المخصص للنساء الأرامل الحاضنات لأطفالهن، يدخل في نطاق الحساب الخصوصي لقانون المالية، الذي يحمل اسم: "صندوق دعم التماسك الاجتماعي"، وبالتالي فإن الدعم المتعلق بالنساء الأرامل، ليس عبارة عن حساب خصوصي مستقل، بل هو تعديل جاء به قانون المالية لسنة 2014، تم بموجبه إدماج النساء الأرامل في وضعية هشاشة ضمن المستفيدين من صندوق دعم التماسك الاجتماعي، إلى جانب الدعم المخصص لتمويل النفقات المتعلقة بتفعيل نظام المساعدة الطبية (RAMED)، والدعم المخصص لمكافحة الهدر المدرسي (برنامج تيسير)، وكذا المساهمة في دعم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.

ثانيـا: أن المرسوم أقام تمييزا غير مبرر بين المرأة الأرملة الحاضنة، والمرأة الأرملة غير الحاضنة، التي هي بدون أولاد، وكأن إرادة المشرع من وراء إصدار هذا المرسوم تنصرف إلى دعم أطفال النساء الأرامل، دون أن تهمه وضعية النساء الأرامل في حدّ ذاتها. مديرا بذلك المشرع ظهره لقضية المرأة الأرملة، التي ستعود لعرض كرامتها عبر التسوّل أمام المؤسسات البنكية وأمام أبواب المساجد، أو للعمل داخل الضيعات الفلاحية كأجيرة بلا أجرة، أو كإماء في عوالم اللذة والألم، كعاملات جنس على درب السياحة الجنسية، أليست الدعارة عملا جنسيا بتعبير عبد الصمد الديالمي؟

ثالثـا: تكريس المرسوم لمنطق الإقصاء في حق فئات واسعة من أطفال هذا الوطن، حيث تمّ إقصاء فئـة الأطفال الأيتام، الذين يعانون من اليُتـم الحقيقي، جراء فقدان الوالدين معا، والمحضونين من طرف أم الأم أو أحد الأقارب، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 171 من مدونة الأسرة. هذا إلى جانب حرمان مهندسي مرسوم 04 ديسمبر 2014، للأطفال الأيتام غير المتمدرسين، وذلك طبقا لما جاء في المادة الثانية من المرسوم المتعلق بتحديد شروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشـة الحاضنات لأطفالهن اليتامى، التي نصت على أنه: "تستفيد من الدعم المباشر المشار إليه في المادة الأولى أعلاه النساء الأرامل في وضعية هشة نيابة عن أطفالهن اليتامى.. والمشروط بمتابعة الدراسة أو التكوين المهني بالنسبة للأطفال البالغين سـنّ التمدرس".

ولم يقف المرسوم عند حد إقصاء الأطفال الأيتام غير المتمدرسين، بل تعداه إلى إقصاء الأيتام الذين يواصلون دراستهم العليا، والمتراوحة أعمارهم ما بين 21 سنة و25 سنة.

إن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا المرسوم، هو أنه يتناقض مع مضمون الأوفاق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي صادق عليها المغرب، ورفع بشأنها جميع تحفظاته، ونخص بالذكر اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، المعروفة اختصارا بـ (SIDAW).

كما أن إقصاء المرسوم لمجموعة من فئات الأطفال الأيتام المومأ إليها أعلاه، يشكل خرقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 32 من دستور فاتح يوليوز 2011، التي تنـص على أنه: "تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية".

رابعـا: أمام ارتفاع تكلفة المعيشة داخل المجمع المغربي، نجد أن المرسوم قد خصص مبلغا هزيـلا، كدعم شهري مخصص للنساء الأرامل الحاضنات لأولادهن اليتامى، إذ حددته المادة 11 من مرسوم 04 ديسمبر 2014 في 350 درهم عن كل طفل يتيـم، على ألا يتعدى مجموع الدعم 1050 درهما عن كل شهر للأسرة الواحدة. بل الأكثر من ذلك نجد أن المرسوم  قد حرم النساء الأرامل المستفيدات من تلقي أي دعم آخر، إذ جاء في المادة السادسة على أنه: "لا يجوز الجمع بين الدعم المشار إليه في المادة الأولى أعلاه وأي معاش أو تعويض عائلي أو أي دعم مباشر آخر يدفع من ميزانية الدولة أو ميزانية جماعة ترابية أو تدفعه مؤسسة أو هيئة عمومية، كالمنح الدراسية أو الدعم المقدم في إطار برنامج تيسير".

وبناء عليه، فإننا نساءل المشرع، ليس من باب المكرمات، بل من منطق الحقوق، هل مبلغ 350 درهم شهريا، كاف في اعتقاده لحفظ كرامة النساء الأرامل؟ خصوصا إذا علمنا أن صندوق دعم التماسك الاجتماعي، الذي يُصرف منه هذا الدعم، قد رصد له قانون المالية لسنة 2015 مبلغ أربعة ملايير ومائتي مليون درهم (4.200.000.000 DH)، وبالتالي فإن أغلب هذه المليارات من الدراهم ستبقى مجمّدة، في انتظار برمجتها مرة أخرى كفائـض في إطار مشروع قانون المالية للسنة المقبلة. وهو ما سيجعل هذه التجربة تلقى نفس مصير تجربة صندوق التكافل العائلي، المخصص لدعم النساء المطلقات، الذي رصدت له الحكومة مبلغ 16 مليار سنتيم، لكنها لم تتمكن سوى من صرف مليار و200 مليون فقط من الأموال المرصودة.

خامسـا: تبني المرسوم ازدواجية بخصوص الجهة المكلفة بالبث في طلبات الاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى، إذ جعل رئاسة اللجان الإقليمية الدائمة من اختصاص عامل العمالة أو الإقليم (المادة 7 من المرسوم)، في حين جعل رئاسة اللجنة المركزية الدائمة للدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة، من اختصاص وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية (المادة 10 من المرسوم).