إياد الجعفري: لن يحكم الإسلام فرنسا

إياد الجعفري: لن يحكم الإسلام فرنسا

لا يبدو أن "الإسلام" سيحكم فرنسا عام 2022، كما حذّر ميشال ويلبيك، في روايته الخيالية المثيرة للجدل، "استسلام". بل على العكس، يبدو أن الغرب بصدد تصعيد إحدى "غزواته" في عقر دار "المسلمين"، بذريعة مواجهة مصدر "التطرف"، وحصر أخطاره المتنامية على المجتمعات الغربية.

وكي نفهم القصّة من بدايتها، يبدو أن علينا أن نرجع إلى قاعدة، "شبه فقهية"، لدى خبراء الاقتصاد الروس، وهي أن "اقتصاد أمريكا محكوم بالحرب". ولأن اقتصاد أوروبا مرتبط عضوياً بالاقتصاد الأمريكي، يبدو أنه هو الآخر محكوم بالحرب أيضاً. ولأن نمو مبيعات شركات السلاح هي كلمة السرّ في معظم الاقتصادات الغربية، يبدو أن الحرب الخافتة، الجارية حالياً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، ستشهد تصعيداً قريباً.

منذ ترسخ الوعي بأضرار حربي العراق وأفغانستان، في أذهان الأمريكيين، وعموم المجتمعات الغربية، ساد رأي عام غربي، يرفض التدخل المباشر في مشكلات العالم الثالث، وتحديداً، الإسلامي منه.

في خريف العام 2013، صوّت البرلمان البريطاني ضد التدخل العسكري في سوريا، في أعقاب جريمة استخدام الكيماوي في غوطتي دمشق. تصويت النواب البريطانيين عكَس رأياً عاماً بريطانياً يرفض التدخل في حروب العالم العربي والإسلامي، كنتيجة لتجربتي العراق وأفغانستان. بعد أيام، اتضح أن موقف الرأي العام البريطاني يلقى رواجاً في أوساط الأمريكيين، الأمر الذي عزز تردد باراك أوباما حيال الحرب على نظام الأسد، في ذلك الوقت.

المشهد تغير بصورة جزئية في صيف العام 2014. ذبح تنظيم "الدولة الإسلامية" صحافيَين أمريكيين، ومن ثم، صحافياً بريطانياً، فارتفعت أسهم تأييد الحرب الجوية على "الدولة الإسلامية"، في أوساط الرأي العام الغربي. بُعيد ذلك، ارتفعت أسهم شركات السلاح الأمريكية في وول ستريت، وحقق الاقتصاد الأمريكي نمواً في الربع الثالث بسبب الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية".

بقي تأييد الرأي العام الغربي للتدخل العسكري ضد تنظيم "الدولة"، مرهوناً بعدم التدخل البرّي، الأمر الذي أكده مسؤولو الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً.

اليوم، يبدو أن هناك من يريد أن يُتمّ الرأي العام الغربي انقلابه، وأن يُؤيد الأوروبيون والأمريكيون خيار توسيع الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، حتى لو تطلب الأمر تدخلاً برّياً.

على صعيد الداخل الأوروبي، سيكون المواطنون المسلمون، واللاجئون أيضاً، ضحايا لصعود موجة جديدة من العداء للإسلام والمسلمين في الغرب. لكن تداعيات موجة العداء تلك لن تنحصر بالداخل الأوروبي، بل ستتعداها لتنعكس على السياسات الخارجية لدول الغرب حيال المنطقة العربية، وتحديداً، سوريا والعراق.

أما كيف سينعكس كل ما سبق على المشهد الميداني-السياسي في سوريا؟ فمن الصعب تخمين ذلك بصورة نهائية، في الوقت الراهن. فالغرب تتنازعه قراءتان، لكلٍ منهما مؤيدوها في أوساط المؤثرين على دوائر صنع القرار الغربي. قراءة أولى مفادها أن من الأنسب إتمام الانقلاب الجزئي حيال نظام الأسد، بالانفتاح الكامل عليه، والتعاون معه ضد "الدولة الإسلامية" في سوريا. وقراءة ثانية مفادها أن الحل الأمثل تعجيل سيناريو تسليح المعارضة السورية "المعتدلة"، وربما تدعيمها بتدخل برّي غربي مباشر، لاقتلاع نظام الأسد و"الدولة الإسلامية" معاً، والتخلص من "التطرف"، ومسبباته الأساسية في آن.

عملياً، يبدو أن القراءة الثانية تخدم مصالح لوبيات السلاح المؤثرة غربياً، أكثر مما يخدمها تفاهم مع نظام الأسد، يزيد في نسب مبيعات شركات السلاح الروسية. لكن من المبكر الجزم بمصير صراع الرؤى الدائر في أوساط صانعي القرار في الغرب.

وإن كانت هناك مؤشرات تُوحي بوجود مساعٍ إقليمية، ليست بعيدة عن الغرب، لإجهاض خطوات روسيا من أجل احتواء أقطاب من المعارضة السورية، لصالح بقاء بشار الأسد رئيساً للبلاد. وهي مؤشرات تزامنت مع تصريح لافت للرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وصف فيه بشار الأسد بـ "الشيطان"، مُبدياً أسفه لعدم التدخل العسكري في سوريا بعيد مجزرة الكيماوي في صيف 2013.

في نهاية المطاف، وبعد حادثة الاعتداء على المجلة الأسبوعية الساخرة "شارلي إيبدو"، يبدو أن رواية "استسلام" لـ ميشال ويلبيك، ستستنسخ الآثار التي سببها كتاب "صراع الحضارات" الشهير لـ صموئيل هنتغتون، والذي خلق الأسس الفكرية الملائمة للتدخل الغربي المباشر في العالم الإسلامي، خلال حقبة جورج بوش الابن.

ويلبيك، الذي أجّل الترويج لروايته، بعد مقتل أحد أصدقائه في الاعتداء على "شارلي إيبدو"، أحب، على ما يبدو، أن يستغل تلك الحادثة التي هزّت مشاعر الفرنسيين، والغربيين عموماً، للدلالة على صحة طرحه الوارد في روايته، حول خطر "الاستسلام" للإسلام، حتى وإن أنكر ذلك المضمون، وامتدح القرآن. فالرجل الذي سبق أن وصف الإسلام بأنه "أحمق ديانة"، ثم اعتذر، ليكتب بعد سنوات روايةً تعزز الفوبيا من الإسلام والمسلمين، ليس بريئاً مما تحيكه شبكات عالمية خفية، تُديرها لوبيات السلاح والمصارف وغسيل الأموال، التي لا يهنأ لها بال إلا بالحروب والفوضى، وتعميم النزاعات.

وفي الوقت الذي يراهن فيه بشار الأسد على صدمة الغرب بـ "الإسلام"، علّها تؤدي إلى إعادة تأهيله كشريك "علماني-أقلّوي" في المنطقة، يبدو أن صدمةً تنتظره من مصنعي السلاح في الغرب، مفادها أن حرب الاستنزاف له، ولإيران وروسيا من ورائه، ستدخل في فصولٍ جديدةٍ مُطوّلة.

(عن جريدة "المدن"الإلكترونية اللبنانية)