لماذا غير الملك بوصلة المغرب الدبلوماسية؟

لماذا غير الملك بوصلة المغرب الدبلوماسية؟

هناك 12 مفتاحا لتسويق صورة المغرب دوليا. ففي ظرف شهر تقريبا حقق المغرب ستة اختراقات دولية مهمة: الأولى تهم اختراق قطر ونزع شوكتها في دعم الجماعات والتنظيمات المناوئة للتدين المغربي. أما الاختراق الثاني فيتجلى في إحياء العلاقات الدبلوماسية مع إيران التي نشترك معها في محبة آل البيت، علما أن إيران قوة إقليمية لها قدرة هائلة على التشويش والإزعاج. أما الاختراق الثالث فيتجلى في الإبقاء على شعلة العلاقات مع دول الخليج التي لم تغير موقفها المبدئي من دعم المغرب ماليا رغم أنها تعاني اليوم كثيرا من انهيار كارثي لأسعار النفط عالميا وما نجم عن ذلك من غياب السيولة لدى خزائن الخليج. في حين يبرز الاختراق الرابع في عودة الدفء للعلاقة بين المغرب وتركيا، خاصة وأن تركيا لها عداوات مع دول الخليج بسبب الخلاف حول المشروع الإخواني الذي تدعمه تركيا وتنخرط فيه بينما تحاربه دول الخليج، وما يمكن أن يلعبه المغرب من وساطة صامتة بين الطرفين. الاختراق الخامس يكمن في إعادة التذكير بروح العلاقة بين المغرب والصين التي لم يسبق أن خضعت أصلا لرهان «غرب شرق»، بالنظر إلى أن المغرب سبق واعترف بالحكومة الشيوعية للصين عام 1957 قبل أن تعترف بها الأمم المتحدة نفسها التي كانت خاضعة لهيمنة الميريكان، وهو التذكير الذي تجلى في الاتفاقيات المهمة الموقعة مؤخرا بين الرباط وبكين. أما الاختراق السادس فيتجلى في روسيا التي تربطنا معها اتفاقية القرن (الفوسفاط)، ويربطنا معها صحوة مشتركة، ألا وهي التحلل من وصاية وعجرفة الغرب المتكبر.

الاختراقات المذكورة جاءت مسنودة بتحول نوعي في التمثيل الدبلوماسي للمغرب على المستوى الدولي، إذ في الوقت الذي شرعت دول عديدة في التقشف وإغلاق تمثيلياتها الدبلوماسية، رأينا المغرب يملأ الفراغات التي ظلت خارج رادار الدبلوماسية المغربية في الأحواض الجغرافية. حسبنا هنا الإشارة إلى فتح سفارات مغربية في الدومنيكان وسان فانسان بالبحر الكاريبي وأستراليا وصربيا وكرواتيا وأذريبجان ومدغشقر وغيرها..

لكن هذه الإشراقات لا تمنع من التوقف عند بعض الثغرات التي يتعين تداركها لضمان توهج أكثر للمغرب على المستوى الدولي، وهي في ظننا اثنا عشر:

1 - الحرص على تفعيل اتفاقية الشراكة وسياسة الجوار مع الاتحاد الأوروبي، ليس بوصفه قوة دولية مهابة فقط، بل لكون دول الاتحاد الأوروبي تأوي الأغلبية الساحقة من مغاربة العالم (حوالي 4 ملايين نسمة من أصل خمسة ملايين، موزعة على 27 دولة أوربية).

2 - الحاجة إلى تمثل القارة الإفريقية كوحدة وليس كجزيرة فرنكفونية فحسب. إلا أن هناك دولا إفريقية وازنة، شاء المغرب أم أبى لها بصمتها في السياسة الإفريقية، وهي دول تنتمي للجزء الأنجلوسكسوني الذي يتحاشى المغرب الرسمي التعامل معه أو تطوير علاقاتنا التجارية والجامعية والحزبية معه (مثلا: جنوب إفريقيا + نيجيريا + غانا + أنغولا البرتغالية...إلخ.).

3 - التفكير في الإعداد الجيد للعودة للاتحاد الإفريقي باعتماد سياسة هجومية باستغلال الظرف الحالي المتجسد في انهيار مفهوم الدولة في منطقة الساحل بحكم أن المغرب يعطي ضمانة من كونه الأكثر استقرارا بشكل يساعد على تثبيت الأمن في دول الساحل حتى لا تصل العدوى إلى باقي جنوب إفريقيا، علما أن ما حدث في درنة الليبية مؤخرا ينهض كحجة على ما نقول حينما سيطرت التنظيمات الإرهابية لـ «داعش» على هذه المنطقة. كما بإمكان المغرب استغلال علاقاته الطيبة مع دول الخليج لدعم الدول الإفريقية المستفيدة من تمويلات الصناديق الخيرية والسيادية الخليجية عبر الخبراء ومكاتب الدراسة والشركات المغربية (الخليج يمول، المغرب يتولى الإنجاز والدراسة وإفريقيا تستفيد).

4 - توطيد علاقات ثنائية مع الدول العربية خاصة بعد انحسار دور الجامعة العربية.

5 - الانفتاح على الأسواق الصاعدة في آسيا وأمريكا اللاتيتية، والخروج من دائرة الموسمية التي تطبع علاقاتنا مع هذه الدول.

6 - ابتكار آليات وصيغ تضمن استغلال المغرب لأسواق الدول التي لها علاقات معاكسة في ملف الوحدة الوطنية عبر عزل الموقف السياسي عن الحاجة في اكتساح الأسواق التي تضمن ترويج السلع المغربية.

7 - الحرص على إدامة شهر العسل بين المغرب وإسبانيا بفصل العلاقة مع هذه الدولة بخصوص ملف سبتة ومليلية المحتلتين. على اعتبار أن إسبانيا بنفسها تشهد تفكك الدولة بمطالبة الكاطالونيين بالانفصال يليهم الباسك، ثم الأندلسيين.

8 - الحاجة لمعالجة الحساسية في علاقة المغرب مع فرنسا الاشتراكية، لما للبلدين من مصالح استراتيجية كبرى. (مليون مغربي + بعد اقتصادي وتجاري). 9 - معالجة سوء الفهم المتبادل مع دول أمريكا اللاتينية من قبيل فينزويلا وبوليفيا وكوبا. فالقطيعة مع كوبا لم يعد لها معنى بدليل هاهي عدوتها الأولى (أمريكا) تتصالح معها. فلم لا نفكر في التواصل مع كوبا والانفتاح عليها على الأقل لضمان وقف زحف الجزائر والبوليساريو فيها.

10 - الانفتاح على دول أوروبا الشمالية، إذ ظهر أن الانفتاح المرجو من خلال الاتحاد الأوروبي لم يعط سوى نتيجة محدودة مع دول شمال أوروبا. علما أن عددا من متاعب المغرب منشأها موقف الدول الاسكندنافية.

11 - ربط جسور مع دول آسيا الوسطى الغنية بالنفط والغاز، والتي تمثل سوقا مهمة لتصريف منتوج المقاولات المغربية (خاصة في أوزبكستان وكازخستان).

12 - زرع الموظفين المغاربة في المنظمات الدولية عبر التنقيب عن الكفاءات وتعبيد الطريق لها في الترشح لشغل مناصب تنفيذية في كل المنظمات الدولية (أممية أو إسلامية أو عربية) لتكون للمغرب عيون وآذان في هذه المنظومة.

د. عادل مساوي، أستاذ العلاقات الدولية، جامعة محمد الخامس بالرباط

صحوة المغرب الدبلوماسية أملتها عوامل بنيوية وموضوعية

أكد عادل مساوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن دينامكية التحول التي يشهدها النظام الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة، تفرض الآن على كل الدول إعادة تكييف أولوياتها وأجندتها مع الرهانات الدولية والإقليمية. فانفتاح المغرب على كل من روسيا والصين أملته مكانة هاتين القوتين داخل النسق الدولي اقتصاديا وعسكريا، وآخذ مساوي على الدبلوماسية المغربية، تمركزها الشديد في إفريقيا الفرنكوفونية وتحديدا في إفريقيا الغربية والوسطى.

- يلاحظ أن المغرب يقوم بإعادة ترتيب بيته الديبلوماسي في الآونة الأخيرة، فهاهو يعيد العلاقات الدبيلوماسية مع إيران وينفتح على تركيا ويسمي قوتين دوليتين في خطب ملكية (روسيا والصين)، بل ويعلن الملك عن زيارة مؤجلة لهذين البلدين، فضلا على تقوية علاقاته مع إفريقيا. ما هي -في نظرك- دلالات الصحوة الديبلوماسية المغربية الحالية؟

+ بدون شك، سواء تعلق الأمر في الخطاب أو الممارسة، بدأنا نلاحظ خلال السنوات الأخيرة نوعا من الانفتاح والتنويع لعلاقات المغرب الخارجية. دلالات هذه اليقظة أو الصحوة كما تفضلت أملتها في تقديري عوامل بنيوية وموضوعية. فدينامكية التحول التي يشهدها النظام الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة، تفرض الآن على كل الدول إعادة تكييف أولوياتها وأجندتها مع الرهانات الدولية والإقليمية. فانفتاح المغرب على كل من روسيا والصين أملته مكانة هاتين القوتين داخل النسق الدولي اقتصاديا وعسكريا، ودورهما في تحقيق نوع من التجاذب والتوازن الاستراتجي مع القوى التقليدية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. كما لا يجب أن نغيب ظاهرة الصعود الاقتصادي للصين ودوره في تعميق مبدأ الاعتماد الاقتصادي المتبادل على الصعيد الدولي. ناهيك عن تنامي نفوذها في آسيا والباسفيك. إذ في هذه المنطقة ستحسم المباريات الاستراتجية القادمة التي ستحدد معالم النظام الدولي الحالي. أما روسيا فلا يشك أحد في تنامي مكانتها الدولية كوريثة للاتحاد السوفياتي سابقا، وتطلعاتها الاستراتجية في التموقع ضد مشاريع الغرب (أزمة سوريا وأوكرانيا).

أما بخصوص الانفتاح على تركيا وعودة الدفء للعلاقات المغرب مع إيران، فمرده بالأساس تمتع هذه الدول بقوة اقتصادية وبمكانة إقليمية. فتركيا دولة صاعدة وحققت نموا اقتصاديا مضطردا خلال العشر سنوات الأخيرة، إضافة إلى نفوذها المتزايد في منطقة الشرق الأوسط. أما إيران فهي دولة إقليمية مهمة وبعيدا عن التحليلات المبتسرة التي تتعامل مع إيران على أنها دولة دينية وتصدر مفاهيم دينية، فإن إيران دولة قومية والإسلام أحد ملامح هويتها، فهي دولة تتعامل وفق مصالحها وناضجة في ثوابتها وأجندتها. فكيف نفسر استماتة إيران أمام الحصار الدولي وتنامي نفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط خلال العشرية الأخيرة وقدرتها التفاوضية مع القوى الكبرى.

بالطبع انفتاح المغرب على هذه الدول سيمكنه من حشد التأييد لمصالحه الوطنية وبناء تحالفات جديدة، خصوصا إذا وضعنا في الحسبان الهامش الذي بدأت تعطيه القوى الكبرى لهذه القوى الإقليمية على صعيد الحركية والتأثير في مجريات الأحداث.

أما في ما يتصل برهان المغرب على تقوية علاقاته بإفريقيا جنوب الصحراء، فيعود إلى تراجع فرص المغرب داخل الفضاء المغاربي بسبب تصلب الموقف الجزائري من ملف الوحدة الترابية وتزايد أجواء عدم الاستقرار السياسي في ليبيا. العامل الجيو-سياسي والخبرة التاريخية دائما يكونان محددين لتفسير سلوك السياسة الخارجية المغربية لاسيما في توجهها نحو عمقها الإفريقي، فكلما أحس المغرب بضيق في حدوده الشرقية والشمالية يحاول أن يفك هذا الخناق عن نفسه بالتوجه جنوبا. إضافة إلى العامل الجيو-إقتصادي بالنظر للثقل الذي تمثله إفريقيا عالميا على صعيد البحث عن الفرص الاقتصادية (الحصول على الثروات الطبيعية والبحث عن الأسواق الواعدة). وانخراط المغرب في هذا المسار يبدو بديهيا.

كل هذه العوامل مجتمعة تجعلنا نستوعب هذه الحركية الدبلوماسية، وإن كان مازال المغرب بحاجة لبلورة تصور استراتجي متكامل يعرف بمصالحه الوطنية عبر إشراك أطراف أخرى واعني تحديدا الأحزاب السياسية، القطاع الخاص، تمثيليات المجتمع المدني (جمعيات، الرأي العام الجامعات ومراكز الأبحاث......)

- يحشر المغرب الرسمي إفريقيا في دول الحوض الغربي الفرنكفوني، في حين لا يبادر المغرب لتقوية علاقات مع دول إفريقيا الأنجلوسكسونية لتكسير جموده في منظمة الاتحاد الإفريقي. لماذا يتردد المغرب في اقتحام هذه الدول؟

+ ربما من المآخذ التي توجه للدبلوماسية المغربية في إفريقيا هو تمركزها الشديد في إفريقيا الفرنكوفونية وتحديدا في إفريقيا الغربية والوسطى. مع تسجيل ضعف تواجدها في الفضاء الانجلوفوني، وكما نعلم فإن جزءا مهما من هذه الدول تتبنى مواقف عدائية تجاه الأطروحة الرسمية للمغرب في مسألة الوحدة الترابية، خصوصا داخل منظمة الاتحاد الإفريقي. من هنا أهمية التفكير مستقبلا في تبني خطة لإعادة التوازن والانتشار والعمل على تقوية علاقات المغرب مع هذه الدول. فيمكن في المرحلة الأولى الرهان على دول محورية في مناطقها. فمثلا في إفريقيا الغربية يمكن الرهان على تطوير العلاقات مع نيجيريا على الأقل من أجل تخفيف تأثيرها على المغرب داخل المحور الثلاثي المكون من الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا. ويمكن أن نضيف دولة غانا. فبالرغم من أنها دولة صغيرة فقد استطاعت أن تكسب احترام العالم بفعل نموذجها المتقدم على مستوى الانتقال الديمقراطي والنمو الاقتصادي، وهي مرشحة لأن تكون من الدول المنتجة والمصدرة للنفط مستقبلا. أما على صعيد إفريقيا الشرقية فيمكن التركيز على إثيوبيا. فإلى جانب احتضانها لمنظمة الاتحاد الإفريقي تنامى دورها بشكل كبير في منطقة القرن الإفريقي بعد تغير موازين القوى وأصبحت الوكيل الأول في مسألة محاربة الإرهاب، إلى جانب كينيا التي أصبحت تشكل مركزا ماليا مهما في المنطقة. في إفريقيا الجنونية هنالك أنغولا، وإن كانت محسوبة على الدول الناطقة بالبرتغالية فهي دولة قوية وثاني دولة منتجة ومصدرة للنفط في إفريقيا انضمت لمنظمة الأوبك، وتعد منافسا قويا لجنوب إفريقيا في منطقة نفوذها.

إن الاستثمار في تنمية هذه العلاقات يمكن أن يكون مدخلا عقلانيا لمحاولة تكسير الجمود في مسألة انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي مستقبلا. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يقيم علاقات دبلوماسية مع هذه الدول على مستوى سفارات مقيمة. مع التأكيد أن هذه الدول أيضا لها علاقات قوية مع الجزائر.

- بعض المراقبين يقولون إن المغرب الرسمي لم يتوفق في التخلص من تقل ملف الصحراء عبر رهنه لكل سياسته الخارجية بهذا الملف في الوقت الذي كان حريا به-حسب هؤلاء- أن يفصل ملف الصحراء عن تصوره لتعزيز الحضور الديبلوماسي المغربي من جهة وضمان منافذ لتسويق المنتوجات الاقتصادية المغربية في أسواق دول عديدة. هل تشاطر هؤلاء رأيهم؟

+ هناك نوع من الاتفاق على أن السياسة الخارجية المغربية أضحت مرهونة بملف الصحراء، وإن كان سؤالك يثير إشكالية مهمة في حقل التنظير في العلاقات الدولية وهي المواءمة بين الاقتصادي والدبلوماسي. أعتقد أن بناء دور دبلوماسي للمغرب على المدى المتوسط والطويل، لا يجب أن يغلب فيه كثيرا هاجس قضية وحدتنا الترابية. هذا المكون هو مهم في تحديد هوية السياسة الخارجية، ولكن يجب الاستثمار في جوانب أخرى يمكن أن تخلق أجواء من الثقة في قدرة المغرب على إقناع المجتمع الدولي بطرحه وهو الاستمرار في مسلسل الإصلاحات البنيوية في المجال السياسي والاقتصادي. ثم استثمار مؤهلاته الجغرافية والطبيعية لتحقيق مزيد من التموقع ليكون أكثر تنافسية في مجاله الجهوي وذلك عبر تسخير إمكانيتين رئيسيتين:

أولا: هنالك الموقع الجيوسياسي المتمثل في كونه أول بلد إفريقي قريب من أوروبا، إضافة إلى امتداد على المحيط الأطلسي، وهذا الموقع يعد نقطة ارتكاز مهمة في بناء إطار مستقبلي لعلاقات المغرب مع دول إفريقيا جنوب الصحراء على أساس احتفاظ المغرب بميزة -الممر الحتمي- سواء في اتجاه الشمال أو في اتجاه الجنوب (إفريقيا جنوب الصحراء). هذا الموقع يجعل من المغرب حاضرا في انشغالات وأجندات القوى الكبرى مما يمنح له في بعض الأحيان هامش من الحركة والمناورة في لعبة المنافسة الإقليمية.

ثانيا: بالرغم من محدودية الموارد الاقتصادية التي يتوفر عليها المغرب، فإنه يقدم تجربة ناجحة على الصعيد الإفريقي والمغاربي من حيث الانفتاح والمناخ الاستثماري (ثاني بلد من حيث الاستثمارات الأجنبية بعد جنوب إفريقيا)، والخبرة المالية والبنكية، مما يؤهله لتفعيل دوره إقليميا عن طريق خلق قاعدة إقتصادية Plate forme توظف براغماتيا مناخ المنافسة الاقتصادية ومبدأ الاعتماد الاقتصادي المتبادل

ثالثا، التحديات والمخاطر الأمنية العابرة الحدود التي بدأت تشهدها إفريقيا في الآونة الأخيرة ولا سيما في منطقة الساحل والصحراء. هذه التطورات بدأت تدفع المغرب لمزيد من التموقع والتفاعل مع المنطقة. طبعا هذه الإمكانات قد تواكبها أيضا إكراهات وصعوبات في كسب رهان المنافسة.

إدريس الكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش

نعيش الآن مرحلة نزع الاحتكارية عن علاقة المغرب بأوربا

يؤكد إدريس الكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، آن انفتاح المغرب على بعض دول أمريكا اللاتينية وقوى دولية أخرى، يندرج ضمن تنويع للمغرب لشركائه. مشددا على أنه مازال بحاجة إلى حلفائه التقليديين، وأضاف الكريني أن الأزمة المالية التي أصابت جل الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، نبهت الكثير من الدول ومنها المغرب إلى ضرورة تنويع شركائه الإقتصاديين، حتى لا يكون اقتصاده معرضا للتداعي كما تداعى الإقتصاد الأوروبي..

- الملاحظ هو شروع المغرب في بلورة خريطة جديدة تهم سياسته الخارجية عبر ربط جسور مع قوى دولية صاعدة مثلا البرازيل، الصين، روسيا، إيران، تركيا، فكيف تقرأ هذا التوجه الجديد؟

+ توجهات السياسة الخارجية المغربية كأي سياسة خارجية لأية دولة هي مرتبطة بمجموعة من العوامل في علاقتها بالمصالح الإستراتيجية للدول، في علاقتها بالتبدلات الإقليمية والدولية، في علاقتها أيضا بالتحولات في هذه السياسة، طبعا منذ منتصف التسعينيات بدأت تظهر بعض ملامح السياسة الخارجية لدى المغرب في علاقتها بمحاولة الإنفتاح على مجموعة من القوى الدولية التي ظل المغرب غير منفتح عليها بشكل كاف، أو ظلت علاقة المغرب بها علاقة فوقية وهشة ولم ترقى لعلاقات سياسية وإقتصادية متينة، وخصوصا عندما بدأت تلوح معالم تنامي الإعتراف بجبهة البوليساريو وفي تلك الفترة، حاول المغرب إعادة رسم سياسته الخارجية من خلال خلق تمثيليات دبلوماسية بالعديد من الدول : في أمريكا اللاتينية، في إفريقيا، في أوروبا الشرقية، وأيضا كانت هناك عدة زيارات في تلك الفترة، نحن الآن أمام توجهات جديدة في السياسة الخارجية المغربية وهذه التوجهات لها مايبررها، نحن أمام نزع العلاقات الإحتكارية في العلاقات المغربية مع الإتحاد الأوروبي.

- بعض المراقبين يشيرون إلى أن التوجه الجديد له علاقة بالفتور الذي تشهده العلاقات المغربية بالولايات المتحدة الأمريكية وبفرنسا، وبالتالي محاولة المغرب التخلص من الوصاية الغربية من خلال البحث عن توازن جديد في العلاقات الخارجية المغربية؟

+ ملامح السياسة الخارجية الجديدة هي بعيدة كل البعد عن الهواجس التي يريد البعض أن يربطها بها، أي رد الفعل، إن السياسة الخارجية للدول لا تقوم على هذه الأسس، وخصوصا لما نتحدث عن سياسة خارجية وازنه واستراتيجية ولها مردودية، ذلك أنه حتى هذه القوى التي نتحدث عنها كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية هي قوى مازال المغرب بحاجة إليها، ومازال المغرب يراهن على مواقفها. كما أن هناك تمتينا للعلاقات معها سواء على المستوى الإقتصادي أو الإستراتيجية وعلى الكثير من المستويات، وهناك أيضا العديد من الإتفاقيات والعلاقات المتينة التي تربط المغرب بهذه البلدان. كل مافي الأمر أن هذه السياسات هي تنويع للمغرب لشركائه. لا ننسى بأننا الآن أمام صعود مجموعة من القوى الدولية الكبرى، عندما نتحدث عن الصين، وعن الهند، وعن روسيا، هذه قوى دولية لها من الإمكانيات، وما تقدمه من الفرص، على المستوى الإقتصادي أو السياسي.. ثم لا ننسى أن الأزمة المالية التي أصابت جل الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، نبهت الكثير من الدول ومنها المغرب إلى ضرورة تنويع شركائه الإقتصاديين، حتى لا يكون اقتصاده معرضا للتداعي كما تداعى الإقتصاد الأوروبي، ونحن نعلم طبيعة العلاقات المتينة التي تربط المغرب بدول الإتحاد الأوروبي وخصوصا فرنسا وإسبانيا.

نقطة مهمة أود الإشارة إليها في هذا الصدد، وهي عندما نتحدث عن التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية المغربية، لا أعتقد أنها تتم على حساب العلاقات المغربية - الفرنسية مثلا، والتي يريد البعض أن يبرزها على أنها علاقات متوترة، وعلاقات تعرف فتورا، مازالت فرنسا شريكا اقتصاديا مهما، ومحورا اقتصاديا للمغرب. وبالتالي فالمغرب يحاول الإنفتاح على قوى جديدة، لكن دون أن يمس علاقاته مع شركائه التقليديين، وهذه أيضا سياسة متوازنة. لا ننسى أن انفتاح المغرب لا ينصب فقط على الدول الكبرى كروسيا والصين، هناك انفتاح على دول الخليج العربي، هناك انفتاح على الدول الإفريقية، وهو ما تجسد في الزيارات الأخيرة للعاهل المغربي. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فالكل يعرف أن العلاقات المغربية بالولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتحول من علاقات ذات بعد سياسي أو بروتوكولي إلى علاقات وازنة، لها بعد استراتيجي، لها بعد اقتصادي، وإن كان الجانب الإقتصادي مازال في حاجة إلى تطوير. ثم لا ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية تراهن على الدور المغربي بأن يشكل مدخلا لتعزيز علاقاتها بعدد من الدول الإفريقية.

- ألا ترى بأن المغرب أسير طرح مرتبط بقضية الصحراء فيما يخص علاقاته الخارجية؟ ألم يحن الوقت لربط علاقات اقتصادية وتجارية بغض النظر عن تأييد دول معينة لقضية الصحراء المغربية؟

+ فعلا السياسة الخارجية المغربية ظلت أسيرة قضية الصحراء المغربية، بل أكثر من ذلك فهذه القضية أثرت بشكل كبير على ملامح السياسة الخارجية، حيث أن سياستنا الخارجية ظلت إلى حد ما في السنوات الأخيرة سياسة مهادنة، سياسة تعتمد على رد الفعل بدل الفعل، مما جعل السياسة الخارجية المغربية تسقط في بعض الارتباكات والمشاكل، وقد لاحظنا وجود نوع من التململ منذ أربع سنوات في السياسة الخارجية المغربية في اتجاه بلورة محددات واضحة وتجلى ذلك في دخول المغرب على خط تدبير مجموعة من المنازعات الدولية والإقليمية: ليبيا، مالي، سوريا، تجلى ذلك أيضا في المواقف الواضحة التي بدأ المغرب يبلورها في علاقة ذلك في الموقف من قضايا الإرهاب وفي موقفه من القضية الفلسطينية ..وعندما نتحدث عن السياسة الخارجية للدولن فنحن أمام واقع دولي متغير، أمام أزمات جد معقدة، أمام إشكالات أصبحت معها حدود الدول تضيق، أي أن ماهو دولي وماهو داخلي أصبح يضيق، والسياسة الخارجية لايمكن أن ترتبط بخدمة فقط قضية من القضايا، نحن نعرف محورية قضية الصحراء في السياسة الخارجية المغربية لكن لاننسى أن السياسة الخارجية بشكل عام يفترض ان تدعم المساهمة في تدبير المنازعات وفي تدبير الأمن والسلم الدوليين،كذلك المساهمة في التعاطي مع الإشكالات الإقليمية والدولية كالإرهاب وتلوث البيئة والجريمة المنظمة..وكذلك دورها في التقريب بين الحضارات والحوار بين الشعوب، كذلك فيما يتعلق بتحسين صورة البلد في الخارج وأيضا جلب الإستثمارات والسعي لتسويق فرص الإستثمار والفرص التي يمنحها الإقتصاد المغربي، وأعتقد أن السنوات الأخيرة عرفت محاولة تغيير المسار في هذا الإتجاه. وأكيد أن هذا التوجه ستكون له انعكاسات ايجابية على قضية الصحراء المغربية. وشخصيا تحدثت عن أهمية انضمام المغرب للإتحاد الإفريقي، لأن سياسة المقعد الشاغر لم تؤت أكلها، وخصوصا أن المغرب الآن يمكنه أن يتحدث من موقع قوة، هناك مشروع الحكم الذاتي، وسيكون من الأفضل للمغرب طرح مواقفه ومبادراته بشكل مباشر للدول الإفريقية بدل أن يترك الغير يقدمها بشكل منحرف.

ملك علوي في ضيافة أرض الأناضول

بإقامته على أرض الأناضول، يكون الملك قد توج سنة 2014 بزيارة لها أرقى الدلالات في سلم علاقاتنا الخارجية لا فقط لأنها كانت، بالإضافة إلى كل الأبعاد الأخرى، مطبوعة بأفق إنساني دافىء، ولكن لأنها كذلك تأتي في سياق انفتاح المغرب على آفاق جديدة، ضمنها بروز مقدمات لاستعادة العلاقات المغربيةـ الإيرانية، وتعميق التعاون مع الصين وروسيا. الأمر الذي يجدد شرايين تعاملاتنا الدولية بكل تأكيد، ويدعو في نفس الآن المتتبع إلى قراءة متمعنة لهذه الرسائل الجديدة في توجهنا الخارجي. أرسى المغرب، منذ سنوات استقلاله الأولى، أسس تعاونه الدولي اعتمادا على ثلاث بؤر خارجية كانت تستقطب توجهه التقليدي، لعوامل تتقاطع عندها اعتبارات الثقافة والتاريخ والجغرافية بالأساس. يتعلق الأمر بالتوجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الاتحاد الأوربي التي تربطنا معها علاقات استراتيجية حيوية، وبالتوجه العربي والخليجي في الدرجة الأولى. ثم التوجه نحو إفريقيا التي أولاها محمد السادس أهمية خاصة في السنوات الأخيرة.

كان هذا هو العنصر الثابت لتحركنا الدولي، مع ما يعنيه ذلك من وجود عوامل ظرفية قد ترفع منسوب هذا التحرك ايجابيا ما، أو تضعفه بحسب السياقات. من هذه السياقات ما يعود إلى تأثر العلاقات المغربية الأمريكية والأوربية والإفريقية، على حد سواء، بتفاعلات قضيتنا الوطنية. ومنها ما يعود إلى تغير توجهات السياسة الداخلية داخل كل بلد من تلك البلدان. بمعنى أن علاقاتنا تلك ترتهن إلى محدد جوهري يتمثل في مدى تقدم المجتمع الدولي في التعامل سلبا أو ايجابيا مع قضيتنا الوطنية. ويحدث هذا بشكل واضح مع شركائنا التقليديين الفرنسيين والإسبان والأمريكيين، بدرجة صارخة داخل محيطنا الإفريقي.

إلى جانب المعطى السياسي، تضطلع التحولات الاقتصادية والمالية الكبرى التي تهز أمريكا وأوربا في السنوات الأخيرة بممارسة تأثير كبير على وضعنا الاقتصادي، خاصة بعد انحصار سوق التبادلات التجارية، وتراجع عائدات المغاربة المقيمين في الخارج، وانحباس فرص التشغيل هناك على ضوء انكماش الاقتصاد الأوربي. وتتضاعف تبعات ذلك مع التزام المغرب الجديد باتفاقيات إيواء المهاجرين الأفارقة، وتحول بلادنا نتيجة ذلك من أرض عبور إلى أرض إقامة وما يقتضيه ذلك من التزامات سياسية وقانونية واجتماعية واقتصادية.

أمام هذا الوضع كان على المغرب أن يبادر باختراق آفاق جديدة لامتداده الدولي، لاسيما بعد بروز معطيات جيو ستراتيجية جديدة في الفضاء الدولي تسمح بهذا الاختراق.

الصين، التي ظلت على امتداد القرن الماضي منطوية على حلمها الشيوعي القديم، بدأت تتحرك من أجل امتلاك نقط تجارية جديدة في آسيا وإفريقيا، واستطاع بوتين أن يعيد ترميم الوجه السياسي والاقتصادي لبلاد روسيا، مغادرا منطقة الظل التي كبلته منذ سقوط جدار برلين، وتصدع الامبراطورية السوفياتية.

فيما أعطى هذا النهوض الروسي قيمة مضاعفة لنهوض إيراني صار يلعب، مع تدعيات «الربيع العربي»، دورا جديدا في السياسة الخارجية. وبموازاة ذلك برزت في العالم قوى اقتصادية صاعدة جديدة في كل من البرازيل وتركيا، وفي غيرها من بلدان آسيا.

من هنا تبرز قيمة عنصر التحول في سياسة المغرب الخارجية، تجاوبا مع عناصر التحول في العالم، خاصة أن هناك ثلاث عوامل تساهم في إنجاح هذا التوجه وتصلب مقوماته:

لقد انتصر المغرب في استثمار لحظة الانعطاف الناتجة عن تفاعلات «الربيع العربي» بالتحول نحو وضع مستقر نسبيا على المستوى السياسي، قياسا إلى بلدان عربية عديدة. وتمكن بفضل انتهاج سياسة متوازنة على المستوى الدولي من أن يكون مخاطبا دوليا ذا مصداقية، وأحد المساهمين في إرساء السلم الدولي. كما أرسى بنيانا دستوريا وحقوقيا يجعله متناغما مع نداءات المنتظم الدولي التي يرفع شعارات احترام حقوق الإنسان ورعاية الطفولة وانتهاج مقاربة النوع، وحماية الهيئات المدنية.

ومع ذلك فكل ما يتحقق من هذه التحولات لا يمكن أن يجعلنا مطمئنين إلى ما يتحقق الآن. ثمة أشواط أخرى ينبغي تداركها، ومنها أولا ترجمة فعلية لعقيدة أن العلاقات الدولية هي إطار للمصالح المتبادلة، ولذلك فالأمر يقتضي أن يواصل المغرب بناء أفقه الدولي على برغماتية واضحة، لا تقر بخصم ثابت أو بحليف ثابت. وفي هذا الإطار تقتضي المصالح بأن يتحرر المغرب من الوضع المكبل الذي تضعنا فيه قضيتنا الوطنية. لا يمكن أن يظل حلفاؤنا الأفارقة في المحيط الدولي هم فقط من الدول الفقيرة التي تقايض تعاوننا معها على أساس الولاء لملفنا الوطني، في حين هناك دولا أخرى تنتظر منا أن نبادرها بطاقة اقتراح نجعل خلالها المعطى السياسي الظرفي يتراجع على حساب معطى التعاون الملموس خاصة. إن إفريقيا الأنكلوفونية تظل بؤرة غائبة في تعاملنا الدولي. لا يمكن كذلك أن نظل مغمضي العين عن ما يجري في أمريكا الجنوبية، مقيمين علاقتنا ببلدانها على أساس معيار العلاقة بالصحراء. إن البرازيل، القوة الاقتصادية السادسة في العالم والنشيط الوازن داخل منظومة «البريكس» ينبغي أن تتحول إلى بؤرة فاعلة في توجهنا الدولي، خاصة بعد الدفعة القوية التي مثلتها الزيارة الملكية إلى هناك سنة 2004.

معنى ذلك أن المغرب المطالب باقتراح فضاءات جديدة لوجودة في العالم، مطالب أيضا بتجديد علاقاته التقليدية القديمة، مثلما هو مطالب بالتخلي عن فلسفة «الحرب الباردة» التي استنفدت مهامها، وبالإبداع في تدبير امتدادنا الدولي لنكون إيجابيين في مواجهة تحديات التي يمليها علينا العالم.