في ليالي البرد "لاڤاش" تشعل الضوء بشاعرية ساحرة فوق خشبات تنغير والرشيدية

في ليالي البرد "لاڤاش" تشعل الضوء بشاعرية ساحرة فوق خشبات تنغير والرشيدية
لم تكن برودة الشتاء ولا قسوة الجغرافيا، ولا امتداد الطريق من الرباط نحو الجنوب الشرقي، سوى تفاصيل عابرة أمام شغفٍ قرّر أن يمضي. هكذا شدّت فرقة مسرح الحال الرحال، حاملة معها عرضها المسرحي الجديد "لاڤاش". دراماتورجيا وإخراج الفنان عبد الكبير الركاكنة، وتأليف عبده جلال، في رحلة فنية تشبه الحلم، عنوانها الإيمان بأن المسرح يولد حيث يوجد الإنسان.
 
في تنغير والرشيدية، يومي 28 و 29 دجنبر 2025، كتبت "لاڤاش" لحظة مسرحية استثنائية، في عروض قُدّمت بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، وبتعاون مع المديرية الجهوية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة بجهة درعة تافيلالت، مؤكدة أن الإبداع الصادق لا يعترف بالمسافات، ولا يهاب البرد، ولا يتراجع أمام الطرق المتعرجة.
 
في ليالٍ يلفّها الصقيع، وعلى مسالك تختبر الصبر قبل العجلات، وصلت الخشبة إلى جمهورها. جمهور خرج من دفء البيوت ليصنع دفئه الخاص داخل القاعة، جمهور حضر بكثافة، وملأ الفضاء تصفيقاً ونبضاً وإنصاتاً، ليعيد للمسرح معناه الأول: لقاء الأرواح قبل العيون، حتى وإن تزامن العرض بمدينة الرشيدية مع مباراة حاسمة للمنتخب المغربي، اختار فيها العشاق كرة أخرى…كرة الضوء فوق الخشبة.
 
قدّمت "لاڤاش" فرجة متكاملة، تمشي على خيط رفيع بين عمق الفكرة وبساطة القول، حيث تألق الممثلون عبد الكبير الركاكنة، هند ضافر، بوشعيب العمراني وعبده جلال في أداء مشبع بالصدق، حوار يلامس اليومي دون أن يفقد شاعريته، ويطرح أسئلة تخرج من الخشبة لتسكن وجدان المتفرج. أما الإخراج فجاء كيدٍ حانية، تدير الإيقاع بحسّ جمالي، وتستثمر الفضاء الركحي ليصبح مرآة للمعنى والدهشة معاً.
 
في حديث يقطر إيماناً بالمسرح، أكد الفنان عبد الكبير الركاكنة أن النجاح الذي حصدته "لاڤاش" لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة عمل جماعي يؤمن بأن المسرح رسالة حياة قبل أن يكون عرضاً عابراً، وبأن الوصول إلى جمهور الهامش فعل ثقافي نبيل لا يقل قيمة عن الوقوف على خشبات المدن الكبرى، مبرزا ان هذا الإيمان تجلى في التفاعل الحار للجمهور، في التصفيق والنقاش والأسئلة التي امتدت لما بعد إسدال الستار.
 
وأضاف أن هذا العرض، بفرجويته ومتعه، أثبت مرة أخرى أن الفن الصادق قادر على كسر برودة الطقس، وترويض المنعرجات، واختصار المسافات، ليصل مباشرة إلى القلب، مؤكداً أن المسرح ما يزال حيّاً، نابضاً، وقادراً على إشعال الدفء في أبعد النقاط متى حضرت الإرادة، وسكن الشغف، وآمنا جميعاً بقوة روح الخشبة.
 
وفي ختام هذه الرحلة المسرحية، وجّه مخرج المسرحية تحية امتنان لكل من أسهم في إنجاح هذه المغامرة الإنسانية والفنية، من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، والمسرح الوطني محمد الخامس، والمديرية الجهوية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل بجهة درعة تافيلالت، إلى رجال الأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة الذين يسّروا مسار الرحلة، وصولاً إلى المركزين الثقافيين بتنغير والرشيدية، حيث وجدت الخشبة بيتاً دافئاً وأرواحاً مفتوحة للحلم.