أريري: اللهم سلط «فيروس» كوريا على المغرب!

أريري: اللهم سلط «فيروس» كوريا على المغرب! عبد الرحيم أريري
كنت ومازلت، أستشهد بكوريا كمثال ينسف ذاك التماهي مع النموذج الغربي إلى حد الأسطرة والتأليه.
إذ لتحقيق الاقلاع الاقتصادي وتعميم الرخاء بمجتمع ما، ليس مطلوبا التبني الميكانيكي للوصفة المقدمة من طرف المؤسسات البحثية الغربية ومن طرف المؤسسات الدولية للتنمية القائمة على تمجيد نموذج «الحكامة» الأوربي والأمريكي لخلق الثروة ورفع الناتج الداخلي الخام. فهناك دول حققت تقدما اقتصاديا مذهلا دون أن تسلك سبل الإصلاحات الغربية (نموذج الصين)،  بالمقابل نجد دولا أخرى حرصت على التقيد بالوصفة الغربية دون أن تصل إلى عتبة التقدم القوي يتناسب مع حجمها وعدد سكانها (نموذج الهند)، فضلا عن ذلك هناك دول أخرى خلقت المعجزة الاقتصادية بالمزاوجة بين «الديمقراطية المتحكم في قواعدها الاقتصادية والاجتماعية» وبين قواعد السوق والدور البارز للمقاولات القوية (نموذج سنغافورة وماليزيا).

في هذا السياق تبرز حالة كوريا التي خلخلت كل الشبكات المرجعية لضبط مسارات التنمية  الاقتصادية والاجتماعية والتقدم التكنولوجي، حيث شقت كوريا طريقها بخلق نموذج خاص بها.

فيوم الاثنين 29 دجنبر 2025 زفت وزارة التجارة والصناعة الكورية بشرى للكوريين، مفادها أن صادرات كوريا تجاوزت عتبة 700 مليار دولار مع متم 2025، بشكل جعل كوريا تحتل المرتبة السادسة كأكبر قوة اقتصادية مصدرة في العالم (بعد الولايات المتحدة وألمانيا والصين واليابان وهولندا). علما أن هذا الرقم الفلكي الذي حققته صادرات كوريا يأتي في ظرفية عالمية متأزمة، ورغم وجود «بيئة تجارية صعبة بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية والحمائية التجارية». ومع ذلك حولت كوريا هذه الصعاب إلى فرصة لملء خزائنها بـ «مال قارون» لشفط الأرباح من مختلف الأسواق الدولية.

لماذا كوريا تصلح كحالة للدراسة واستخلاص العبرة؟
للجواب على السؤال علينا العودة إلى أواسط السبعينيات من القرن 20، وهي الفترة التي كانت فيها كوريا أفقر من المغرب، حيث خرجت آنذاك من حرب مدمرة مزقت ترابها إلى نصفين (نصف تحت سيادة «سيول» ونصف تحت حكم «بيونغ يانغ»، وكانت كوريا بالكاد تقف على رجليها بحكم أنها كانت تعتمد لتأمين «قوت شعبها» على المساعدات الخارجية.

لكن في ظرف عقدين نهضت كوريا من رمادها، ومع مطلع الألفية الحالية بدأ العالم يرتعد من التنين الكوري الذي بدأ يحكم قبضته على مفاصل التجارة الدولية، ويقضم الحصص الكبرى من الصفقات الدولية ذات الأغلفة الخيالية في القارات الخمس، تعلق الأمر بالقطارات أو السفن أو الهاتف أو المنصات العائمة أو المفاعلات النووية أو التجهيزات الالكترونية أو الشرائح أو السيارات أو المواد الكيماوية المصنعة أو المواد الطبية إلخ…

بل هاهي كوريا اليوم تصدر ثقافتها لبسط قوتها الناعمة على العالم عبر تصدير الأفلام والأغاني والفنون الكورية التي بدأت تغزو كوكب الأرض، بالموازاة مع ذلك تم تحويل جامعات كوريا إلى قطب جذب يتسابق الطلبة من مختلف دول العالم للظفر بالتسجيل في كلياتها ومعاهدها، بشكل أضحى يخلق منافسة قوية لجامعات أوربية وأمريكية.

ركيزتان أساسيتان اعتمدت عليهما كوريا لتحقيق «المعجزة» وهما:
1- التعليم الذي يضمن تكوينا جيدا ومتينا لمعظم أبناء الشعب الكوري، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية.
2- الابتكار (L’innovation) عبر تتمين البحث في المجال التكنولوجي الذي يغطي كافة المجالات الصناعية والهندسية، بشكل حقق لكوريا طفرة ووفرة في براءات الاختراع وفي تحقيق السبق على باقي المجتمعات.

اليوم تجني كوريا ثمار ما زرعته في العقود الأخيرة، لدرجة أنها انتقلت من بلد كان يتلقى المساعدات لسد رمق الشعب الكوري، إلى بلد يرسل الأطنان من المساعدات كل عام إلى دول العالم الثالث. وها هي كوريا التي كانت بالكاد تصدر حوالي 100 مليون دولار في العام خلال سبعينيات القرن العشرين، أضحت تصدر 700 مليار دولار في السنة حاليا، أي ضاعفت ثروتها وقوتها بـ 7000 مرة في ظرف 30 سنة.

وهنا بيت القصيد، كوريا التي كانت أفقر من المغرب في 1975، أضحت اليوم تحقق صادرات بحجم 13 مرة ما يحققه المغرب في سنة (في عام 2024 بلغت صادرات المغرب 55,5 مليار دولار).

فلماذا تقدمت كوريا وأخفق المغرب؟ لماذا أفلحت كوريا في إنتاج الثروة والرفاه لفائدة معظم أفراد شعبها، بينما عجز المغرب عن مضاعفة ناتجه الداخلي الخام والرفع من حجم الثروة الوطنية وتجفيف مشاتل الجهل والفقر والهشاشة؟

سؤال مقلق فعلا، ويزداد القلق إذا استحضرنا أن المغرب دخل في سنة انتخابية، وبالتالي يكبر معها التساؤل الحارق: هل ستفرز الانتخابات المقبلة نخبا سياسية مهووسة بخلق معجزة اسمها «المغرب الصاعد»، أم سيبتلى المغرب بنخب ستزيد من إغراق «الروايض ديال المغرب في الغايس»!.