في خضم الجدل الواسع الذي يثيره مشروع قانون مهنة المحاماة، وما رافقه من توتر مهني، أجرت جريدة "أنفاس بريس" حوارا مع الأستاذ محمود عمر بنجلون، عضو مكتب جمعية هيآت المحامين بالمغرب، الذي كشف عن اختلالات جوهرية في مسار التفاوض ومضامين المسودة الجديدة، محذّرا من "نموذج تشريعي" قد يُفرغ مهنة المحاماة من استقلاليتها ويدفعها نحو التبعية التنفيذية والقضائية. كما يتوقف عند دور الجمع العام الاستثنائي بمراكش، والخيارات القانونية والتصعيدية المطروحة للدفاع عن كرامة المهنة وصون موقعها في منظومة العدالة.
كيف يتعارض مشروع قانون مهنة المحاماة مع مخرجات جلسات الحوار السابقة مع وزارة العدل؟
منذ بداية المسار التشريعي المتعلق بقانون مهنة المحاماة، كانت منهجية التفاوض خاطئة وتفتقر إلى أبجديات المفاوضة المعمول بها، وهي النقاش العام الشفاف، والتشاركية، ونتائج ملزمة للأطراف من خلال محاضر رسمية، لا سيما وأن علاقة المهنة مع وزير العدل الحالي عرفت تاريخا من الاعتداء اللفظي والمؤسساتي والسياسي والتشريعي الذي أفقد الثقة في المحاور، بالرغم من الخطابات الموسمية المُطمئِنة.
من المعروف أن من آليات المفاوضة عزل المُحاوِر عن بيئته، وهذا ما نجح فيه وزير العدل مع رئاسة الجمعية.
لذلك كان من المفروض على المؤسسة المهنية التنسيقية التعامل مع الوضع باليقظة والحزم، وهذا ما غاب عن المنهجية المتبعة أو المفروضة على رئاسة الجمعية، وهي حجب مسودة مشروع قانون المهنة عن المحاميات والمحامين في "اتفاق" ثنائي بين وزير العدل ورئاسة الجمعية، خارج عن المألوف الدستوري والمؤسساتي، بعلة "الوقاية من التسريب" و"حماية المفاوضة"، وهو ما أدى إلى هذه النتائج التشريعية الكارثية التي أتى بها وزير العدل، والتي تؤكد توجهه السياسي الرامي إلى تدمير المحاماة والذهاب بها من رسالتها الأصلية كسلطة موازنة داخل العدالة، بمشروعية علمية واستقلالية وحصانة، إلى "نموذج خليجي" يجعلها خدمة تجارية تابعة للسلطة التنفيذية والقضائية، فارغة من محتواها المستقل والمحصن المدافع عن حقوق الإنسان ودولة الحق والقانون والمحاكمة العادلة.
كيف يمكن للجمع العام الاستثنائي بمراكش أن يحدد خطوات عملية موحدة للتصدي للمشروع، مثل الدعوة إلى سحبه أو تنظيم احتجاجات ميدانية، مع ضمان وحدة الصف المهني؟
اجتمع نصاب مجلس جمعية هيآت المحامين بالمغرب مطالبا بانعقاد مجلس وطني استثنائي، وفي هذه الخطوة الجريئة، في اعتقادي، تعبير عن رفض لمسودة مشروع القانون، منهجا ومضمونا، ولكل المضامين التي ستفرزها هذه المنهجية الفاشلة نظرا لتباين وتعدد صيغ المسودات بين "السيئة" و"المسربة" و"المتوافق عليها" و"الوزارية" و"الجمعوية"، والتي أُرسلت في تطبيق الواتساب، والأخرى الملقاة عبر البريد الإلكتروني، وتلك التي "تعني النقباء الممارسين دون الأعضاء"، والأخريات "المخصصة للأعضاء منذ أسبوع دون النقباء الممارسين"... و"السيلفي"... هذا وضع غير مسؤول مهنيا ومسيء لهيبة القطاع، بعيدا عن الخوض أو الحكم على نوايا الفاعلين.
فالمحاميات والمحامون المغاربة أبانوا عن قدرتهم في التصدي لكل المؤامرات التي تُحاك ضد الدفاع والعدالة في بلادنا، منذ الدورية الثلاثية التي حاصرت محاكم المملكة، إلى رفض المسطرة المدنية التي تصدت لها المحكمة الدستورية، فبالأحرى فيما يُحاك ضد دستور المهنة وهو القانون المنظم لها.
ما هي الآليات القانونية والتنظيمية المتاحة داخل الجمعية لفرض تعديلات جوهرية على المشروع أو عرقلة تمريره، وهل يُتوقع تصعيد عقب الجمع؟
إن المحامين يبنون دولة الحق والقانون، وهم مهندسو المسلسل الديمقراطي في المغرب، فإنهم لا "يعرقلون" بل يحمون النظام الدستوري المغربي من الانزلاقات التشريعية التي ترمي لباسا غريبا وشاذا على نظم العدالة في بلادنا.
وما يؤلم المحاماة المغربية اليوم هو أنها كانت السباقة في الدفاع عن استقلالية القضاء وفصل السلط... فها هي السلط تتوحد فيما بينها لذبح رسالة الدفاع من خلال تقاسم صلاحياتها واستقلاليتها دون اعتبار الخيارات الدستورية والحقوقية للمملكة المغربية ومصلحتها العليا.
المحامون المغاربة، كما المحامون عبر العالم، منفتحون على كل السيناريوهات النضالية والمؤسساتية، وتقديم بدائل تشريعية جادة وملائمة للالتزامات الدولية للمملكة المغربية، تليق ببلدنا وخياراته الديمقراطية والحقوقية... فهذا القانون الرجعي وغير الدستوري لن يمر!