تطوان.. مركز كارلوس كيروس ينظم لقاء علميا حول كتاب "نسب الحق الكثيرة"

تطوان.. مركز كارلوس كيروس ينظم لقاء علميا حول كتاب "نسب الحق الكثيرة" بعض أعضاء النادي بجانب مؤلف الكتاب

نظّم مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية- المغربية، بتعاون مع نادي اللغات والتواصل الحضاري بكلية أصول الدين بتطوان، لقاء علميا  لتقديم كتاب "نسب الحق الكثيرة: قراءات ومراجعات في التاريخ والتصوف وعلمي الكلام والمنطق" ، لمؤلفه الدكتور محمد بلال أشمل، الذي حضر اللقاء وأسهم في الحوار والنقاش الدائر حوله.

وانعقد اللقاء يوم الجمعة 19دجنبر 2025، برحاب المركز الثقافي "إكليل" بمدينة تطوان، بحضور نخبة من الأساتذة والباحثين والطلبة.

افتتح أطوار اللقاء الأستاذ مصطفى هدراش، أستاذ الفلسفة وعضو نادي اللغات والتواصل الحضاري، مؤكدا في كلمته الافتتاحية أن تنظيم هذا النشاط يأتي في إطار حرص النادي على الانفتاح والمشاركة في الأنشطة الثقافية والفكرية داخل وخارج فضاء كلية أصول الدين؛ إيمانا بأهمية الحوار المعرفي وتبادل الأفكار، والمساهمة في إغناء المشهد الثقافي.

وتولى تسيير اللقاء الدكتور عرفة بلقات، الذي اعتمد أسلوبا حواريا تفاعليا مكنه من إبراز الملامح الفكرية لمسار الكاتب ومضمون الكتاب. مشيرا أن الكتاب  يضم مجموعة من المقالات والمداخلات، صنفها المؤلف ضمن ثلاثة أصناف كبرى. يتعلق الصنف الأول بالتاريخ، ويشتمل على ستة عناوين، هي: في تسمية الدول بأسماء دينية: المرابطون والموحدون؛ وبداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد نموذج من الفقه المقارن خلال الدولة الموحدية؛ والتحفة السنية للحضرة الحسنية بالمملكة الإصبانيولية لأبي العباس أحمد بن محمد الكردودي (1240–1318)؛ وتأملات في الحياة العقلية والأدبية في الشمال المغربي خلال فترة الحماية الإسبانية؛ وأوراق يسيرة في فوائد أحكام الطاعون الكثيرة، وهو نص حول الطاعون اللبناني سنة 1194هـ؛ إضافة إلى دراسة تطوان بين الأصل الأندلسي والصيرورة المغربية.

أما الصنف الثاني، فهو صنف التصوف، ويتضمن ثلاثة عناوين، وهي: حالة فريدة في سياق نمطي؛ تأويل "فرادي ميرينو" انتقال سيدي أحمد بن عجيبة من الفقه إلى التصوف؛ وشطحات الصوفية لعبد الرحمن بدوي؛ ورد المفتري عن الطعن في الششتري، تقديم كتاب خالد محمد عبده، إلى جانب منتخبات من الشعر الصوفي الإسباني لسانتا تيريزا الأبلية (1515–1582).

في حين يندرج الصنف الثالث ضمن علمي الكلام والمنطق، ويضم ثلاثة عناوين، هي: كتاب عقيدة أبي بكر المرادي الحضرمي: استشكالات وإشارات؛ والمقدمات العقدية عند ابن رشد انطلاقا من بداية المجتهد ونهاية المقتصد؛ وحاشية على الجوهرة الفريدة في حل رموز الخريدة.

وبناء على هذه الهيكلة، أكد الدكتور بلقات أن المؤلف يجمع في هذا العمل بين الباحث والدارس والمترجم والناقد والأكاديمي، والمثقف المنخرط في قضايا واقعه الاجتماعي والثقافي والتاريخي.

ومن جانبه، تفاعل مؤلف الكتاب، الدكتور محمد بلال أشمل، بحذق وذكاء مع التساؤلات التي أثارها الدكتور بلقات، معتبرا أن عنوان هذا العمل مستوحى من كلام محيي الدين بن عربي الحاتمي في "فصوص الحكم" . وأكد في هذا السياق، أن القراءات والمراجعات التي يتألف منها الكتاب ليست سوى تقدير لنسب الحق الكثيرة، وكشف عن وجوهه المتعددة، بما يروم الإسهام في تعميق النقاش حول جملة من الأفكار والأنظار السائدة المرتبطة بشعاب معرفية متنوعة في مجالات التاريخ والتصوف وعلمي الكلام والمنطق. وهي الشعاب المعرفية التي أثري بها الكتاب من خلال مقالات ودراسات، منها المنشور ومنها غير المنشور، ومنها ما كتب بالعربية ومنها ما ترجم إليها من اللغة الإسبانية.

وبيّن الكاتب أن الرابط الناظم بين مواد الكتاب هو انتماؤها إلى مجال معرفي واحد، على الرغم من اختلافها في الزمان والمقصد؛ إذ تندرج جميعها ضمن حقل التاريخ، في عهود متباينة، وتجمعها إرادة فهم تسمية الدول بأسماء ذات حمولة دينية، واستجلاء طبيعة الفقه المقارن في إحدى تلك العهود، ورصد أنظار الفقهاء في النكبات والمصائب عند حلولها بالأمة، ومن ذلك حديثهم عن فوائد أحكام الطاعون الكثيرة. كما تنبع من الرغبة في التبصر بحقائق البدايات الأولى للصدمة الحضارية المغربية، وضرورة تأمل الحياة العقلية والأدبية في الشمال المغربي خلال فترة الحماية الإسبانية، ونقل "الصورة المغربية" من مجرد الفرضيات إلى ميدان التحقق الحسي التجريبي.

أما المواد التي تندرج ضمن مجال التصوف، فإنها تتشوق إلى إدراك تأويل انتقال الشيخ أحمد بن عجيبة من علم الظاهر إلى علم الباطن، كما يحذوها العزم إلى قراءة كتاب لأحد الباحثين في علوم القوم ومصطلحاتهم، والوقوف على ملمح من ملامح أعلامهم الكبار، والنظر في طبيعة أقوالهم، أكانت عبارة أم إشارة، شعرا أم نثرا، سواء باللسان العربي أو باللسان القشتالي.

في حين ترتبط المواد المنتمية إلى علمي الكلام والمنطق بهمّ تبيّن نسب وجوه أخرى من الحق الذي تنطوي عليه، أو تقديم نموذج من الرؤى للحق قائم على سند من المنطق، مع إبراز وجوه اختلافه متى اقترن بأنماط أخرى من الكلام.

 

 

وأشار في هذا السياق إلى أن الغاية من هذا التأليف، الذي يجمع بين شِعاب معرفية متعددة وقضايا مختلفة في عهود متباينة، تتمثل في إخراج كتاب للقارئ يعرف بجملة من القضايا، ويحاور أخرى، ويبني على بعضها، ويدعو إلى تأملها مجتمعة، حفاظا عليها من التشتت في بطون الكتب والرسائل وأغوار المجلات، وإنقاذا لها من آفة التعجيل، وصيانة لها من صمت الإهمال، دون ادعاء امتلاك نسبة واحدة من الحق، بل إقرارا بتعدد نسبه، والتأكيد على تعدد وجوهه.

وختم الدكتور محمد بلال أشمل تفاعله مع الأسئلة التي أثارها محاوره بالتأكيد على أن المعرفة بشمال المغرب تظل معرفة ناقصة، خاصة كما تتجلى في الدراسات الإسبانية. وأشار إلى أن هذا الوضع القائم هو ما يفسر اهتماماته المتواصلة بهذا المجال منذ سنوات طويلة، بدءا بتأسيسه

 

من اليمين إلى اليسار : مصطفي هدراش، عرفة بلقات، محمد بلال أشمل

جمعية أصدقاء "لوركا" رفقة ثلة من المثقفين، مرورا بتأسيس جمعية الفلسفة التطوانية بمعية أساتذة الفلسفة، وصولا إلى تأسيس مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية- المغربية بتطوان، خدمة لهذا الجانب، ووفاء لتاريخ التواصل الثقافي والحضاري، وإيمانا بمتانة الصلة الحضارية والثقافية بين الضفتين، مؤكدا أن هذا الوفاء – وفق تعبيره – يتم دائما في ظل حضور نظرة نقدية واعية.

ومما يلفت الانتباه أن هذا اللقاء الفكري فتح نقاشا جادا ورصينا، وأتاح آفاقا واسعة للتفكير وطرح الأسئلة حول القضايا التي أثارها مؤلف الكتاب، كما تميز بأجواء من الدفء والنوستالجيا، مستحضرا مسار الكاتب والمنعرجات التي مر بها خلال رحلته الفكرية والمعرفية.

واختتم اللقاء بكلمة عضو النادي، الأستاذ مصطفى هدراش، الذي اعتبر أن الجلسة جمعت بين جمالية الحوار وعمق قراءة مضامين الكتاب واستحضار النوستالجيا، مما جعل اللقاء الفكري تجربة ماتعة ومفيدة للمشاركين والحاضرين معا.

إلياس التاغي، منسق نادي اللغات والتواصل الحضاري بكلية أصول الدين بتطوان