فتح الله حافضي: بلاغ رئيسة جماعة سطات... والأسئلة المحرجة

فتح الله حافضي: بلاغ رئيسة جماعة سطات... والأسئلة المحرجة فتح الله حافضي وخلفه واجهة مقر المجلس الجماعي لسطات
بدا بلاغ رئيسة المجلس الجماعي لسطات الصادر بتاريخ الثالث من دجنبر الجاري، بشأن إعادة فتح المقطع الطرقي بشارع محمد الخامس كما لو أنه “فتحٌ مبين”، وكأن السطاتيات والسطاتيين كانوا ينتظرون هذا القرار باعتباره طوق نجاة. تم تقديم الخطوة باعتبارها استجابة لمقتضيات تصميم التهيئة الذي نُشِر في الجريدة الرسمية أواخر دجنبر من السنة الماضية، وإجراءً ضرورياً لتخفيف الضغط عن شارع الحسن الثاني. غير أن البلاغ، في شكله ومضمونه، فتح الباب أمام أسئلة محرجة أكثر مما قدّم أجوبة.
 
سؤال الارتجال... هل الارتجال قدر المدينة؟
المقطع الذي يُعاد فتحه اليوم في عهد تحالف يقوده الاستقلال، هو نفسه الذي جرى إغلاقه بالأمس بذريعة تهيئة ساحة محمد الخامس، وبقرار صادر عن مجلس يقوده تحالف العدالة والتنمية والاستقلال، وبتمويل من المجلس الإقليمي الذي كان بدوره تحت رئاسة استقلالية. تم الإغلاق استناداً إلى أغلبية عددية صمّاء، لم تكثرت لمبررات الرافضين من اعتبروا الإغلاق إقبارا لما تبقى من الذاكرة العمرانية للمدينة، ولا لاعتراضات التجار الذين رأوا في القرار مساساً مباشراً بمصالحهم، ولا لأسئلة الساكنة حول جدوى الخطوة. لقد أُلبس القرار لبوس “التقنية”، فيما أسبابه الحقيقية لا يعرفها سوى “الراسخون” في دهاليز التدبير المحلي والعارفون بأسراره وخباياه.
هذا التناقض، اغلق-افتح، ليس تفصيلاً بسيطا … إنه مؤشر على ارتجال مزمن يطرح السؤال الجوهري: هل تدار المدينة برؤية مُسْتَبصِرة؟ أم تُسيَّر بمقاربة سياسوية مزاجية؟
وهذا الارتجال ليس بجديد؛ فهو استمرار لارتجال سابق عرفته سطات ودفعت ثمنه باهظاً بسبب قرارات منفلتة من أي منطق، وبالخصوص خلال ثمانينيات القرن الماضي، حين هُدم وسط المدينة وأزيلت معالم عمرانية شكّلت جزءاً من ذاكرة بنات وأبناء المدينة، ليس استجابة لمسايرة تطور وحاجيات المدينة، بل تنفيذا لرغبة وزير، قيل والعهدة الرواة، أنه أحضر حينها شيكا بمبلغ دسم موقع من طرف وزير المالية والخازن العام للمملكة. الماضي إذن يمدّ ظلاله على الحاضر، والنهج نفسه يتكرر وإن تغيّرت السياقات والتبريرات... والارتجال عنوان دائم وكأنه قدر المدينة.
 
سؤال هدر المال العام… الجرح الذي يتوسع
إلى جانب سؤال الارتجال، يبرز سؤال أشد قسوة: أين يبدأ هدر المال العام… وأين ينتهي؟
فكل عملية فتح وإغلاق، وكل تغيير في الاتجاهات، وكل “إصلاح” أو “إعادة تهيئة”، تُموَّل من جيوب دافعي الضرائب الذين لا يُستشارون ولا يُخبَرون إلا حين تصدر البلاغات المنمّقة.
أغُلِق المقطع بالأمس بميزانية محددة، ثم سيُعاد فتحه اليوم بميزانية أخرى، فهذا يعني أن المال العام يُعامَل كما لو أنه مال فائض، لا يخضع للتقييم ولا للمحاسبة.
وقليلون هم داخل المجلس من يملكون الجرأة على طرح السؤال:
كم صُرف على الإغلاق؟
كم سيُصرف على إعادة الفتح؟
كم يُهدر من الوقت والجهد والميزانيات في قرارات تُهدم اليوم لتُبنى غداً؟
إن سياسة “افتح–أغلق–أعد الفتح” ليست مجرد تناقض تدبيري؛ إنها نزيف مالي مستمر يقابل بالتجاهل واللامبالاة، ولا يتم الانتباه اليه حين يُناقَش في الجلسات العمومية، ولا يُطرح أمام الرأي العام إلا حين تصبح الكلفة واقعاً مفروضاً.
وما دامت القرارات بلا استمرارية، وبلا تقييم للأثر، فإن المال العام سيظل الضحية الأولى… والمواطن الضحية الأخيرة.
 
سؤال الجدوى… الحلول الترقيعية لا تبني مدناً
يبقى السؤال الجوهري: هل سيفتح هذا المقطع فعلاً شهية الانسياب المروري ويُخفف الضغط عن شارع الحسن الثاني؟ أم أننا أمام حلّ ترقيعي آخر يُخدّر المشكل ولا يعالجه؟ هل بإمكان مقطع طرقي لا يتجاوز طوله في أحسن الأحوال مائة متر وعرضه عشرون مترا، حسب تصميم التهيئة، أن يعالج هذا المشكل المروري، في غياب نسق تعميري يوازن بين الإنسان والمجال، ويستشرف المستقبل انطلاقا من بيانات الحاضر.
تم ما مآل الارتفاقات الموجودة بهذا المقطع، من عمارة الأقواس إلى حدود التقاطع مع شارع عبد الرحمان سكيرج؟ هل ستظل في وضعها الحالي محتلة من طرف المقاهي؟ هل ستُعدَّل؟ وكيف ستُدبَّر حتى لا تتحول إلى عائق إضافي أمام كل محاولة لتنظيم المجال وتعيق حركية الإنسان؟ إن غياب الجواب التقني والمؤسساتي يجعل قرار الفتح مُبهماً، ويطرح من جديد نفس السؤال: هل نُصلح فعلاً…؟
إن المدينة لا تحتاج إلى فتح طريق هنا وإغلاق آخر هناك، بل تحتاج إلى تصور عمراني شامل، وإلى رؤية متكاملة لإعادة تنظيم السير والجولان، وإعادة هيكلة المدارات والمسارات وفق مقاربة هندسية معمارية بأبعاد تعميرية مدروسة، تحتاج لتهيئة الحضرية جيدة تُوفّر مدينة متوازنة، قابلة للعيش، عادلة، ومتصالحة مع ذاكرتها، مع رؤية مستقبلية واقعية وقادرة على الاستدامة. لا أن تدبر وفق ردود أفعال ظرفية تُسَوَّق كإنجازات ببلاغات لا ترمم ذاكرة.
 
الأسئلة كثيرة، والبلاغ موجز، والأجوبة معلقة، والأكيد أنه لم يكن مجرد إعلان إداري؛ بل كان الشرارة التي كشفت ثقوباً كبيرة في تدبير الشأن المحلي. سطات لا تحتاج بلاغات تُقام لها احتفالات، ولا قرارات تُسوّق كتحولات كبرى. إنها تحتاج قبل كل شيء إلى رؤية، إلى تخطيط، وإلى قناعة راسخة بأن المدينة ليست مختبراً لنزوات المنتخبين، بل فضاءً عمومياً يجب أن يُدار باحترام ذكاء ساكنته… ومالهم العام… ومستقبلهم الحضري.
فتح الله حافضي، فاعل سياسي