الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ويوسف لهلالي « سيدي الرئيس، ماذا يحدث لديكم؟ أنا قلق جداً»
بهذه العبارة استهل أحد الرؤساء الأفارقة رسالة بعث بها إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون . سبب القلق كان مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، وتحدث عن وقوع انقلاب عسكري في فرنسا يقوده ضابط مجهول الهوية، مع احتمال سقوط الرئيس ماكرون.
الفيديو، الذي شاهده ملايين المستخدمين، بدا للوهلة الأولى احترافياً إلى حدّ الإقناع: قناة إخبارية وهمية تبث مباشرة، صحافية تقف في أحد شوارع باريس ممسكة بميكروفون
“Live 24”،
يحمل شعار وتتحدث وسط حشد صغير مضطرب عن “معلومات غير رسمية” حول انقلاب عسكري وشيك. غير أن كل ما ورد في الفيديو كان مفبركاً بالكامل.
ورغم زيفه، حصد المقطع ملايين المشاهدات منذ نشره يوم الأربعاء 10 ديسمبر، وأثار غضب الرئيس الفرنسي، بل وقلق قادة دول صدقوا محتواه. هذا العمل التضليلي دفع ماكرون إلى التدخل شخصياً لدى شركة “ميتا”، المالكة لفيسبوك، مطالباً بسحب الفيديو. غير أن رد المنصة كان صادماً: “هذا المحتوى لا يخالف قواعد الاستخدام لدينا”، ورفضت حذفه.
المفارقة أن رئيس إحدى أكبر دول العالم يتدخل لحذف فيديو مضلل قد تكون له تداعيات خطيرة، خصوصاً لو استهدف دولاً هشة، ومع ذلك ترفض منصة رقمية الاستجابة لطلبه، رغم أن ماكرون استقبل مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، في قصر الإليزيه أكثر من مرة. وعلّق أحد الظرفاء بالقول: “لو حُذفت الأخبار الزائفة، لاختفى فيسبوك"، الذي يتكون أكثر من 90 في المائة من محتواه من هذا النوع.
هذه الواقعة أعاد ماكرون التذكير بها خلال لقاء مع قرّاء إحدى الصحف في مرسيليا، في سياق حديثه عن ضرورة تقنين شبكات التواصل الاجتماعي، والحد من وصول القاصرين، خصوصاً من هم دون 16 سنة، إلى هذه المنصات. وقد اختار الرئيس الفرنسي إطلاق حملة سياسية داخل البلاد للدفع بهذا الملف، الذي بات يحتل موقعاً مركزياً في النقاش العام.
الشاب البوركينابي الذي انتج هذا الفيديو بالذكاء الاصطناعي ليمزح لم يكن يتوقع نجاح هذا الفيديو ولا الابعاد السياسية التي اتخذها وخطورة التضليل والاخبار الزائفة التي تنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي.
موقف ماكرون: تشديد تدريجي وبُعد أوروبي
يدفع إيمانويل ماكرون منذ أشهر نحو تحديد سن أدنى لاستخدام الشبكات الاجتماعية، عبر قانون وطني في فرنسا، مع السعي إلى توسيع هذا التوجه على المستوى الأوروبي. وفي تصريحات سابقة، أكد أنه مستعد لحظر وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 سنة في فرنسا، إذا لم يتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق موحد في هذا الشأن.متبعاالخطوة التي نهجتها استراليا.
كما أشار ماكرون وعدد من الوزراء إلى العمل على تحديد سن قانونية تتراوح بين 14 و16 عاماً، مع التشديد على ضرورة بناء تحالف داخل الاتحاد الأوروبي لتفادي تشتت التشريعات الوطنية.
البرلمان الفرنسي بدوره لم يبقَ بعيداً عن هذا النقاش. إذ تقود النائبة لور ميلر، عن حزب النهضة(Renaissance) الداعم للرئيس، مبادرة تشريعية داخل الجمعية الوطنية، تقترح حظر استخدام الشبكات الاجتماعية للأطفال دون 15 عاماً، إلى جانب تقييد زمن الاستخدام للمراهقين الأكبر سناً.
ويحظى هذا المشروع بدعم نحو 121 نائباً، معظمهم من الكتلة الوسطية المرتبطة بماكرون. كما أصدرت لجنة برلمانية خاصة، تضم نواباً من مختلف التوجهات السياسية، تقريراً في سبتمبر 2025 أوصت فيه بحظر ولوج القاصرين دون 15 سنة إلى منصات التواصل الاجتماعي، مع اقتراح ما يسمى بـ“الحظر الرقمي الليلي” للمراهقين.
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا أقرت بالفعل قانوناً سنة 2023 يلزم المنصات الرقمية بعدم السماح للأطفال دون 15 عاماً بفتح حسابات إلا بموافقة الوالدين، مع فرض عقوبات في حال عدم الامتثال. غير أن هذا القانون يواجه صعوبات كبيرة على مستوى التطبيق، خصوصاً في ما يتعلق بالتحقق من السن.
وعلى الصعيد الأوروبي، اعتمد البرلمان الأوروبي قراراً غير ملزم يدعو إلى حظر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً، ما لم يوافق الوالدان، وذلك في إطار حماية الصحة النفسية للشباب. ولا تزال مسألة تحديد السن الدقيقة (15 أم 16 عاماً) محل نقاش بين الدول الأعضاء.
تستند هذه المبادرات إلى جملة من الأهداف المعلنة، من أبرزها:
حماية الأطفال من مخاطر الصحة النفسية، مثل الإدمان والاكتئاب والتنمر الرقمي؛
الحد من التعرض للمحتوى العنيف أو الجنسي أو المضلل قبل اكتمال النضج الذهني؛
فرض آليات فعالة للتحقق من العمر والهوية على المنصات الرقمية.
حتى الآن، لا يشكل موقف ماكرون قانوناً نافذاً، لكنه يعكس توجهاً سياسياً قوياً نحو تشديد الإطار القانوني المنظم لاستخدام القاصرين لشبكات التواصل الاجتماعي. فالمقترح الفرنسي يقوم أساساً على منع الاستخدام قبل سن 15 عاماً، مع احتمال رفعه إلى 16 في النقاش الأوروبي، وإشراك الآباء في الرقابة.
ويبدو أن هذا التوجه يحظى بدعم متزايد داخل فرنسا والاتحاد الأوروبي، غير أن التحدي الحقيقي يظل في كيفية التطبيق، وفي قدرة الدول على فرض التزامات صارمة على عمالقة التكنولوجيا، الذين يملكون اليوم سلطة تفوق أحياناً سلطة الدول نفسها.