زيارة ثقافية لكنيسة سيدتنا ذات الانتصارات: ملمح من ملامح الانفتاح والتعايش الديني في تطوان

زيارة ثقافية لكنيسة سيدتنا ذات الانتصارات: ملمح من ملامح الانفتاح والتعايش الديني في تطوان من اليمين إلى اليسار: بديعة التانموتي، إيمان سكري، إلياس التاغي، مصطفى هدراش، عمر فيغيروا، محمد بلال أشمل، مصطفى المرابط

نظّم نادي اللغات والتواصل الحضاري، التابع لشعبة اللغات والثقافة والتواصل بكلية أصول الدين، زيارة ميدانية إلى كنيسة" Nuestra Señora de las Victorias" بمدينة تطوان، التي أُسست سنة 1926، وذلك يوم الأربعاء 17 دجنبر 2025.

وجاءت هذه الزيارة في إطار الأنشطة الثقافية والعلمية للنادي، بمشاركة أعضائه، ومرافقة كل من الدكتور محمد بلال أشمل، أستاذ الفكر والحضارة بالكلية ورئيس مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية–المغربية بتطوان، والدكتور عرفة بلقات، عضو المركز.

وقد استُقبل الوفد عند مدخل الكنيسة من طرف الأخ عمر فيغيروا Fray Omar Figuiroa ، مسؤول أرشيف أبرشية طنجة، الذي عبّر عن ترحيبه وسعادته بهذه المبادرة الثقافية.

وافتتحت أطوار الزيارة بالتعرف على العناصر المادية والمعمارية للكنيسة، حيث أوضح الأخ فيغيروا أن العنصر المادي في الديانة النصرانية يعد مكوّنا أساسيا لا يتعارض مع البعد الروحي، بل يكمله. وأشار إلى أن القبول بهذا التصور لم يكن يسيرا في البدايات الأولى للنصرانية، خاصة مع بروز بعض الطوائف، قبل أن يتم القضاء عليها خلال القرن الرابع الميلادي، لتتكرس وحدة العقيدة وإدراك العلاقة التفاعلية بين البعدين المادي والروحي داخل الكنيسة. كما أبرز أن دخول الإمبراطورية الرومانية في المسيحية أسهم في إدماج عناصر معمارية ومادية رومانية، وهو ما أفرز نمط "البازيليكا" أو الكنيسة الكبرى. فضلا عن ذلك، تطرق إلى الفروق الهندسية بين الكنائس، ولا سيما بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية، مبينا أن هذه الأخيرة تتميز بمرونة أكبر وقدرة على الإبداع المعماري، لعدم خضوعها لبنية هندسية واحدة، وذلك نتيجة التمييز الواضح بين العناصر الجوهرية الثابتة والعناصر العرضية القابلة للتنوع. وفي هذا السياق، أشار إلى توظيف الزليج التطواني ضمن مكوّنات كنيسة تطوان، مؤكدا أن استلهام عناصر من ثقافات أخرى يظل مقبولا ما دام لا يمس بالجوهر الديني. كما أوضح أن التاريخ المسيحي عرف بدوره تفاعلات فكرية مع ثقافات متعددة، من بينها الثقافة الإغريقية واللاتينية، من خلال مفاهيم فلسفية وأسماء أماكن لا تزال حاضرة في الفضاء الكنسي إلى يوم الناس هذا.

عمر فيغيروا يتحدث عن الحضور المسيحي بالمغرب

وخلال الجولة برحاب الكنيسة، قُدمت شروحات حول مختلف عناصر وأجزاء الكنيسة ودلالاتها الدينية، مع الإشارة إلى أن حضور الكنيسة الكاثوليكية بتطوان يعود إلى سنة 1673، حين كان الرهبان الفرنسيسكان، بإذن من السلطان، يتولون تلبية الحاجات الروحية للأسرى في "المطامير" بالمدينة العتيقة.

وفي مكتبة الكنيسة، اطلع أعضاء النادي والدكتور محمد بلال أشمل والدكتور عرفة بلقات على نماذج من سجلات التعميد المحفوظة بأرشيف أبرشية طنجة، والتي توثق عمليات تعميد أنجزت بين سنتي 1684 و1808، بعضها يعود إلى مسيحيين من مدينتي تطوان وطنجة. كما تضم السجلات معطيات حوالي 80 و90 حالة دفن لمسيحيين أوروبيين وعرب خلال الفترة الممتدة بين 1600 و1700، بمقبرة مرتين.

الإطلاع على نماذج من سجلات التعميد المحفوظة بمكتبة الكنيسة

هذه الزيارة الميدانية مكنت أعضاء النادي من الاطلاع على وثائق تاريخية تسلط الضوء على جوانب أساسية من الحضور المسيحي بالمغرب، وتبرز الجذور التاريخية لانفتاح المجتمع المغربي على مختلف الثقافات والديانات التي تعايشت في مجاله عبر تاريخه الطويل، مع التأكيد على برمجة زيارة لاحقة للاطلاع على المخطوطات والكتب التي تناولت دراسة المجتمع المغربي وثقافاته وعاداته وأعرافه وتقاليده.

إلياس التاغي، منسق نادي اللغات والتواصل الحضاري بكلية أصول الدين بتطوان