التهجير القسري للمغاربة من الجزائر سنة 1975 وصمة عار على الجزائر، علما أن القانون الدولي يمنع كل أشكال الطرد الجماعي، فالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يجرم الحرمان التعسفي من الإقامة والملكية، ونفس الأمر بالنسبة لاتفاقية جنيف التي تعتبر الإبعاد القسري للسكان المدنيين انتهاكا جسيما. وعلى هذا الأساس ما جرى سنة 1975، لا يمكن اعتباره مجرد إجراء إداري، فهو عملية ممنهجة نفذتها أجهزتها الدولة الجزائرية بطريقة منسقة، وفي ظرف زمني قصير وبآثار إنسانية عميقة استمرت لعقود. وانطلاقا من الشهادة الحية للدكتور اجبارة ننتقل الى المعايير الدولية لتصنيف الأعمال الإرهابية كما وضعتها الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن حيث نجد عناصر مشتركة معتمدة في التعريف.
أولها استهداف المدنيين الأبرياء ويتجلى في ما ذكره الدكتور اجبارة وما ذكرته العديد من الشهادات و ماهو وارد في العديد من الوثائق. ثانيا استعمال الترويع والإكراه. ثالثا ارتباط الفعل بهدف سياسي واضح، وهكذا فالأدبيات القانونية تؤكد أن الإرهاب لا ينحصر في أعمال الجماعات المسلحة بل يمكن أن تستخدمه دول اذا وظفت سلطتها لإرهاب السكان أو الضغط السياسي عليهم بطرق ممنهجة وهو ما جرى في عملية طرد أو إبعاد المغاربة من الجزائر سنة 1975.
بتطبيق هذه المعايير على واقعة الطرد سنة 1975 يتضح أن العناصر متوفرة بشكل واضح، فالضحايا كانوا مدنيين عزل بينهم أطفال ونساء وشيوخ، والطرد تم في ظروف قاسية، حيث جرى تفريق أسر وحرمان الناس من ممتلكاتهم ومذخراتهم، تم كذلك تسجيل العديد من الانتهاكات، كالإغتصاب والقتل والإعدامات الميدانية، بشكل مبرمج دفع هؤلاء الناس الى الحدود بشكل يهدد حياتهم ويخلق حالة من الترويع الجماعي، كما أن الهدف السياسي كان معلنا ويتمثل في الرد على ملف الصحراء بعد التحولات التي عرفها بعد المسيرة الخضراء، ثم إن العملية لم تكن عملا فرديا بل قرار دولة، نفذته أجهزة دولة، مما يعطيه طابعا ممنهجا ومنظما.
هذه العملية خلفت آثارا إنسانية واجتماعية جسيمة. آلاف الأسر فقدت كل ما تملك بين ليلة وضحاها. مشاريع اقتصادية انهارت وشهادات كثيرة تتحدث عن معاناة الأطفال والنساء في رحلة العبور القاسية نحو المغرب، ولم يتم الى اليوم تقديم أي اعتذار رسمي أو جبر الضرر يليق بحجم المأساة التي عاشها هؤلاء الضحايا.
اليوم وبعد التطور الكبير الذي عرفه القانون الدولي، خاصة في مجال العدالة الانتقالية والحقوق الجماعية ووسط التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، يصبح من الطبيعي إعطاء زخم بشكل خاص لهذا الملف من أجل حفظ الذاكرة وإنصاف الضحايا وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات مستقبلا. وعلينا كمجتمع مدني وانطلاقا من المقاربة القانونية والإنسانية التي تؤكد أن ما وقع سنة 1975 يستوفي الشروط التي تتبناها المنظومة الدولية في تعريف الأعمال الإرهابية، سواء تعلق الأمر باستهداف المدنيين أو استعمال الإكراه والترويع أو تحقيق أهداف سياسية عبر انتهاكات جماعية، وهو ما يجعل من تهجير المغاربة من الجزائر ملفا حقوقيا مشروعا، وعلينا أن نعمل على تصنيفه وفق التصنيف الدولي للأعمال الإرهابية على أن نجعل هذا الملف بشكله الحقيقي كعمل إرهابي وأن ندفع المنظمات الدولية لتتحرك عوض هذا السكوت المريب الذي دام 50 سنة.
د. محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية