محمد براو: حمد الله.. أسطورة تحدت الإقصاء وصنعت مجدها بنفسه

محمد براو: حمد الله.. أسطورة تحدت الإقصاء وصنعت مجدها بنفسه محمد براو

في تاريخ كرة القدم المغربية والعربية، قليلون من جمعوا بين الموهبة الفطرية وقوة الإرادة كما فعل عبد الرزاق حمد الله. لاعبٌ واجه استبعادًا متكررًا من المنتخب الوطني، مشاركة محدودة في كأس العالم، وغيابًا عن قائمة كأس إفريقيا رغم تفوقه اللافت، لكنه حوّل هذا الظلم والضغط إلى طاقة دافعة. رسالته واضحة: البطولة الحقيقية تُقاس بالفعل والإنجاز، لا بالقوائم الرسمية أو التصفيق الإعلامي، والمجد يُصنع بالإرادة والموهبة والعمل الدؤوب.

البدايات ورحلة الموهبة المتألقة

بدأ حمد الله مسيرته في أولمبيك آسفي، حيث سجّل 30 هدفًا في 55 مباراة، ليظهر منذ البداية نموذج المهاجم الصريح القادر على الحسم. انتقاله إلى أوروبا عبر بوابة أوليسوند النرويجي (15 هدفًا في 27 مباراة) أثبت أن موهبته عالمية وقابلة للتأقلم في بيئات مختلفة. ثم اتجه إلى الصين مع غوانجو ، فسجل 25 هدفًا في 32 مباراة، قبل أن يسطع نجمه في قطر مع الجيش (21 هدفًا في 23 مباراة) والريان (18 هدفًا في 20 مباراة). ذروة مسيرته الاحترافية كانت في السعودية، حيث سجل للنصر 77 هدفًا في 74 مباراة بمعدل يفوق الهدف لكل مباراة، واستمر في الاتحاد بتسجيل 52 هدفًا في 63 مباراة. على المستوى الدولي، رغم محدودية مشاركاته مع المنتخب المغربي (29 مباراة و10 أهداف)، ظل حضوره اللافت حاضرًا في ذاكرة الجماهير.

الإنجازات الفردية: تفوق بلا حدود

حمد الله ليس مجرد لاعب يسجل الأهداف، بل هو رمز للفعالية التهديفية المطلقة. فقد حقق رقمًا قياسيًا في الدوري السعودي 2018–2019 بتسجيل 34 هدفًا في موسم واحد، وحاز على لقب هداف دوري أبطال آسيا 2020، مؤكدًا قدرته على التألق في المنصات التنافسية القارية. على المستوى الوطني، مُنح وسام العرش من درجة ضابط سنة 2022، اعترافًا رسميًا بعطائه وإنجازاته، رغم التوتر المستمر في مسيرته الدولية. هذه الإنجازات تجعل من حمد الله مهاجمًا عالميًا بمعايير الأداء الفردي، وتضعه في مصاف أبرز الهدافين العرب عبر العقود الأخيرة.

بطولة كأس العرب: تحويل التهميش إلى أسطورة

رغم هذه الأرقام القياسية، ظل حمد الله خارج حسابات المنتخب الوطني لأسباب فنية وإدارية، ما حرم المغرب في بعض الفترات من مهاجم صريح بقدرات إنهاء عالية. هنا تظهر قوته الحقيقية: الإقصاء لم يضعفه، بل جعله رمزًا للموهبة غير المعترف بها رسميًا، ومعبرة عن قدرة اللاعب على صناعة الإنجاز خارج المنظومة التقليدية.
في كأس العرب، رغم مشاركة محدودة (3 مباريات)، كان حمد الله العنصر الحاسم الذي حمل المغرب على أكتافه. ذكاءه في التمركز، حسمه للفرص تحت الضغط، وقدرته على تحويل كل لمسة إلى فرصة خطيرة، جسدت أن الإنجاز الفردي قادر على تحدي الإقصاء وتحقيق المستحيل. البطولة لم تكن مجرد لقب، بل رسالة واضحة: المجد يُصنع بالفعل وليس بالاعتراف الرسمي.

الاعتزال الدولي: بيان استقلالية الإرادة

إعلانه عن الاعتزال الدولي بعد كأس العرب كان أكثر من قرار رياضي؛ إنه بيان استقلالية إرادة. حمد الله رفض التبعية لأي منظومة، وحوّل الإقصاء القسري إلى اختيار شخصي، مؤكدًا أن الاعتراف الحقيقي لا يأتي من المناداة الرسمية أو الشهرة الإعلامية، بل من الإنجاز الفردي المستمر. فلسفيًا، جسّد مقولة نيتشه: "ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى"، فحوّل الألم والظلم إلى دافع لصناعة المجد داخل الأندية. فنيًا، يظل نموذجًا للمهاجم الكلاسيكي بقدرات مذهلة في التمركز والإنهاء، وإداريًا يسلط الضوء على فجوة بين الأداء الفردي ومعايير الاختيار المؤسسية، وجماهيريًا أصبح أيقونة للمواهب المهمشة التي تثبت أن الإنجاز هو المعيار الأصدق للبطولة.

ختاما

عبد الرزاق حمد الله ليس مجرد هداف عالمي، بل أسطورة حية صنعت مجدها بيدها رغم الإقصاء والتحديات. مسيرته تُظهر أن الأداء الفردي، الإرادة، والموهبة قادرة على تجاوز القيود، وأن الأساطير تُكتب بالأرقام والإنجاز، لا بالقوائم الرسمية أو التصفيق الإعلامي. لقد أصبح مثالًا حيًا لكل من يريد أن يصنع مجده بنفسه، وأن يحوّل الظلم إلى قصة نجاح خالدة في تاريخ كرة القدم المغربية والعربية والعالمية.