ما تعرضت له السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من حملة تشهير وانتقاد غير مبرر، على خلفية مشهد عابر لا يحمل في ذاته أي دلالة أخلاقية أو سياسية، يكشف عن اختلالات عميقة في أنماط التفاعل العمومي داخل مجتمعنا، وفي تمثلاتنا للسلطة والمسؤولية والفضاء العام.
من منظور سوسيولوجي، لا يمكن فصل هذه الواقعة عن منطق العنف الرمزي، حيث يتم تحويل تفاصيل يومية عادية إلى أدوات للإدانة والتجريح، في تغييب تام للسياق الوظيفي والمؤسساتي. فالمشكلة هنا ليست في “المظلة”، بل في ما تُسقطه المخيالـات الاجتماعية على الجسد، والوظيفة، والنوع الاجتماعي، وعلى صورة المرأة حين تشغل موقعًا قياديًا في مؤسسة حقوقية، كما يُستعمل الرمز البسيط (المظلة) لإنتاج خطاب إدانة يُحمَّل أكثر مما يحتمل، ويُوظَّف لتصفية حسابات رمزية مرتبطة بالموقع، أو بالاختلاف الفكري، أو بالتمثلات الاجتماعية للسلطة والمرأة والمسؤولية.
أما من زاوية حقوقية، فإن مثل هذه الحملات تمسّ بشكل مباشر الكرامة الإنسانية، وتناقض مبادئ المسؤولية الأخلاقية في النقد العمومي، كما تفرغ النقاش الحقوقي من مضمونه الحقيقي، الذي يفترض الانشغال بالسياسات العمومية، وبحصيلة المؤسسات، لا بالأشخاص أو بالوقائع الهامشية التي تُستعمل للإساءة الرمزية.
كذلك، لا يمكن اختزال أداء مسؤول عمومي، ولا تقييم مساره أو نزاهته، انطلاقًا من صورة أو مشهد معزول، خصوصًا حين يتعلق الأمر بشخصية تتحمل مسؤولية مؤسساتية وتتحرك في إطار مهام رسمية. فحقوق الإنسان، في جوهرها، تقوم على مبدأ حماية الكرامة، ورفض التمييز، وضمان المعاملة اللائقة لكل فرد، بغض النظر عن موقعه أو صفته.
الأكثر إيلامًا أن تنخرط في هذا المنطق أصوات تنتمي إلى الفضاء المدني أو الثقافي أو الحقوقي، وهي الفضاءات التي يُفترض فيها ترسيخ ثقافة الاختلاف، والتعدد، والإنصاف، بدل إعادة إنتاج آليات الإقصاء والتبخيس ذاتها التي لطالما ناضلنا ضدها. فالكثير منا كان، في لحظة ما من مساره، ضحية أحكام استعجالية، أو محاكمات أخلاقوية، بسبب اختياراته أو موقعه أو حضوره في واجهة الشأن العام.
وأكثر ما يدعو إلى القلق هو انخراط فاعلين يُفترض فيهم الوعي النقدي، وبعضهم من داخل الحقل الحقوقي أو الثقافي نفسه، في هذا النوع من الحملات، بما يعكس أزمة في أخلاقيات الاختلاف، وفي القدرة على التمييز بين النقد المسؤول والتشهير غير المشروع.
إن الدفاع عن آمنة بوعياش هنا ليس دفاعًا عن شخص، بقدر ما هو دفاع عن قواعد النقاش العمومي، وعن حق النساء والرجال في تحمل المسؤولية دون أن يتحول حضورهم المؤسساتي إلى مادة للتشهير أو للتأويل السيئ النية. كما أنه دفاع عن استقلالية العمل الحقوقي، وعن ضرورة صونه من منطق الشعبوية الرقمية والاختزال المخل.
ومن موقع المعرفة الشخصية والمهنية الممتدة لأزيد من ثلاثة عقود، أؤكد أن آمنة بوعياش مناضلة مشهود لها بالاستقامة والالتزام الحقوقي، نختلف معها أو نتفق، لكن لا يمكن اختزال مسارها ولا الطعن في أخلاقها عبر وقائع مفتعلة أو قراءات مغرضة.
كما أنني اشتغلت معها عن قرب لما يزيد عن عشرين سنة، وخلال هذا المسار الطويل، لم أعاين منها إلا الالتزام، والنزاهة، واحترام القيم الحقوقية. قد نختلف معها في التقدير أو الاختيارات، وهذا حق مشروع، لكن الاختلاف لا يبرر المساس بالسمعة أو التنقيص من القيمة الأخلاقية والإنسانية للأشخاص.
إن ما نحتاجه اليوم ليس مزيدًا من الإدانة السهلة، بل نقاشًا عموميًا ناضجًا، يحترم الكرامة الإنسانية، ويؤمن بأن الاختلاف لا يبرر التشهير، وأن الدفاع عن الحقوق يبدأ أولًا بحماية قيم العقلانية والاحترام المتبادل.
ذ. المصطفى المريزق، أستاذ باحث في علم الإجتماع بجامعة مولاي إسماعيل-مكناس
رئيس الجامعة الشعبية المغربية، ومؤسس الطريق الرابع