النموذج الإسباني / الباسكي
تعد منطقة الباسك أهم إقليم متمتع بالحكم الذاتي داخل المملكة الإسبانية، إذ تتمتع بامتيازات مالية وسياسية واسعة وفريدة، تجعلها قريبة في ممارستها لصلاحيات كيان شبه مستقل، لا يجمعه مع الدولة المركزية سوى اتفاقات قانونية وإطار دستوري موحد.
الخلفية التاريخية لمنطقة الباسك
يتكوّن الإقليم من ثلاث محافظات، ويستند في حكمه إلى النظام المعروف بـ كرنيكا، الصادر سنة 1979، والذي يخوله صلاحيات واسعة مقارنة بباقي الجهات في إسبانيا.
كما يصنف كواحد من الجهات التاريخية الثلاث ( كاطالونيا، غاليسيا و الباسك)،التي طبقت الحكم الذاتي تلقائيا.
الأسس الدستورية للحكم الذاتي في إقليم الباسك
ينص الباب الثامن من الدستور الإسباني الصادر سنة 1978، والمعنون بـ التنظيم الترابي للدولة، و بشكل مفصل على المواد من 137 إلى 158 على عدد شامل من المقتضيات..
ففي الفصل 143 يتم تحديد كيفية تأسيس أقاليم ذات حكم ذاتي، فيما تحدد المادة 146 كيفية اعتماد النظام الأساسي للتمتع به.
كما ترسم مواد أخرى حدود الاختصاصات بين الدولة المركزية وحكومات المناطق.
اختصاصات إقليم الباسك الذاتية.
يمارس الإقليم اختصاصات واسعة جدا في عدد من المجالات، تتفوق على جميع الأقاليم الأخرى في إسبانيا. فبالإضافة إلى لغته الرسمية الخاصة (الباسكية)، يتوفر على حكومة وبرلمان وعاصمة إدارية وعلم وطني. وتعكس هذه العناصر حجم الاستقلالية والتميز، حيث يعتبر نموذجا حقيقيا للتدبير الذاتي، يتجاوز عدد كبير من التجارب في القارة الأوروبية.
1. الاختصاصات التشريعية والتنظيمية.
يمتلك إقليم الباسك سلطة تشريعية وتنظيمية واسعة في مجالات متعددة، أبرزها:
أ. المجال الحصري
التنظيم المؤسسي: ينطلق من البرلمان والحكومة و يصل إلى البلديات و المجموعات الترابية.
اللغة: يعتمد اللغة الباسكية كلغة رسمية إلى جانب اللغة الإسبانية.
الثقافة والإعلام.
التعليم: يمارس صلاحية كاملة في جميع المستويات (الابتدائي، الثانوي)، مع الالتزام بالمعايير الوطنية العامة.
ب.القطاعات الاجتماعية، وخاصة:
الصحة: إدارة النظام الصحي، المستشفيات والخدمات الطبية.
الأمن الداخلي: يتوفر الإقليم على شرطة خاصة تُعرف بـ الشرطة الباسكية، التي تتولى مهام الأمن الداخلي، تنظيم المرور والتحقيقات المحلية.
الإدارة المحلية: الإشراف على البلديات والمجالس الإقليمية.
البيئة والموارد الطبيعية: تدبير المياه، الغابات، الطاقة والبيئة.
التنمية الاقتصادية: دعم الصناعة، الابتكار وسياسات التشغيل.
التنظيم الحضري والسكن: يهم تخطيط المدن، سياسات الإسكان والنقل الداخلي.
2. الاختصاصات المالية والضريبية (النظام الخاص)
يعد النظام الضريبي الخاص أكبر امتياز يتمتع به الإقليم. فالنظام المالي الخاص يمكنه من:
تحصيل عدد من الضرائب بنفسه، مثل:
ضريبة الدخل
ضريبة الشركات
الضريبة على القيمة المضافة
الضرائب المحلية
وينص على تحويل حصة الدولة السنوية من المداخيل المحصلة،التي تتم بناءا على اتفاق ثنائي بين الدولة المركزية وحكومة إقليم الباسك، و تتم مراجعته كل 5 سنوات. حيث يتم تحويل حصة من المداخيل السنوية (في حدود 6.5%) إلى الخزينة العامة، مقابل الخدمات التي تبقى من اختصاص الدولة (الدفاع، الخارجية، القضاء...). ويمكن اعتبار هذه الحصة رمزية، إذ تمكن الباسكيين من الاحتفاظ بأغلب المداخيل الضريبية المحصلة داخل ترابهم.
3. الاختصاصات المشتركة والمنسقة مع الدولة.
تخضع الاختصاصات المشتركة لميزان القوى السياسية و النتائج الانتخابية بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، ويتم التفاوض بشأنها طبقا للوزن الانتخابي والسياسي للاحزاب الجهوية و برامجها و أولوياتها،حيث يمكن توسيعها أو تقليصها.....
القضاء: تمارس الحكومة الإقليمية مهمة تنظيم المحاكم، بينما يبقى تعيين القضاة من اختصاص الدولة.
التعليم الجامعي والبحث العلمي: يتم تنسيق البرامج الجامعية مع الدولة بشكل إلزامي.
النقل والبنى التحتية الكبرى: تدير الدولة الطرق الوطنية، الموانئ والمطارات، بتنسيق مع الإقليم.
التعاون الخارجي: يمكن السماح للإقليم بفتح مكاتب تعاون اقتصادي وثقافي خارج البلاد، دون أن تحمل أي صفة دبلوماسية.
4.الاختصاصات الحصرية للدولة الإسبانية و التي لا يمكن تفويضها لحكومة إقليم الباسك، طبقا للدستور...
رغم اتساع صلاحيات الإقليم، تبقى بعض المجالات حصرية للحكومة المركزية، ولا تمارسها مؤسسات الإقليم، ومن أبرزها:
الدفاع الوطني والقوات المسلحة.
العلاقات الخارجية والدبلوماسية.
القوانين المؤطرة للهجرة والجنسية.
النظام النقدي والمصرفي، وهو من اختصاص بنك إسبانيا المركزي.
السياسة الجنائية والقانون الدستوري.
المحكمة الوطنية والمحكمة الدستورية.
خلاصة:
يعد النموذج الباسكي من أنجح تجارب الحكم الذاتي في أوروبا، إذ مكن حسن تطبيقه من إنهاء الحرب الإرهابية التي استمرت أكثر من خمسين سنة، وخلفت حوالي ألف قتيل، وأسهم في انتصار الخيار الديمقراطي السلمي وترسيخ الاستقرار السياسي والمؤسساتي.
الدكتور مشيج القرقري /باحث في السياسات العمومية والعلاقات الدولية