يمكن تناول «البؤس الدبلوماسي الجزائري: من الصحراء المغربية إلى القفطان المغربي» كتشخيص لمسار متكامل من الإرتباك السياسي والرمزي في الممارسة الدبلوماسية الجزائرية. مسار يتقاطع فيه الجيوسياسي بالثقافي، ويكشف كيف يتحول العجز عن تحقيق اختراقات حقيقية في الملفات الإستراتيجية إلى انزلاق نحو معارك هامشية ذات طابع رمزي.
ففي ملف الصحراء المغربية، ورغم عقود من الدعم السياسي والمالي والدبلوماسي للأطروحة الانفصالية، لم تنجح الجزائر في فرض رؤيتها على المجتمع الدولي. وعلى العكس من ذلك، كرّس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025 دعماً واضحاً لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحلّ جدي وواقعي للنزاع، مما مثل نقطة تحول في الخطاب الدولي وأضعف خطاب الجزائر الذي ظل أسير منطق الحرب الباردة، عاجزاً عن استيعاب تحولات القانون الدولي وموازين القوة الجديدة.
وأمام هذا الإخفاق في المجال الجيوسياسي، برز الإنتقال نحو الصراع الرمزي والثقافي، حيث تحولت قضايا من قبيل القفطان المغربي إلى موضوع نزاع دبلوماسي وإعلامي. غير أن هذه المحاولة اصطدمت مرة أخرى بالشرعية الدولية، بعدما حظي القفطان المغربي باعتراف منظمة اليونسكو، التي أدرجته رسميًا ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للبشرية في 10 دجنبر 2025، كرمز ثقافي عالمي يعكس تاريخاً عريقاً وتقاليد فنية متوارثة، ما أسقط أي مسعى لإعادة تسييس هذا الرمز الثقافي.
ففي الوقت الذي استطاع فيه المغرب، بحكمة سياسية ودبلوماسية تراكمية، أن يربط علاقات دولية متزنة ومتنوعة، قائمة على البراغماتية واحترام المصالح المتبادلة وعدم الارتهان لمحور واحد، وانتهج دبلوماسية هادئة وطويلة النفس، جمعت بين الشرعية التاريخية والمرونة السياسية، ربطت بين الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى - وفي مقدمتها الصحراء المغربية - وبين أدواره كشريك موثوق في الاستقرارالإقليمي، والتعاون الأمني، والهجرة، والتنمية جنوب - جنوب الشيء الذي مكنه من التموقع الذكي ومن تعزيز حضوره الدولي، وترسيخ صورته كفاعل مسؤول وقادر على تحويل التراكم الدبلوماسي إلى اعترافات سياسية وثقافية ملموسة على الساحتين الدولية والثقافية. تجد الجزائر
في المقابل نفسها في وضع أقرب إلى الحصار الدبلوماسي الذاتي، نتيجة اختيارات خارجية تصادمية، وانغلاق على خطاب تقليدي موجّه أساساً للاستهلاك الداخلي. فبدلاً من توسيع الشراكات وبناء جسور الثقة، راهنت على سياسة القطيعة والتوتر، ما قلّص هامش حركتها وأضعف قدرَتها على التأثير في القضايا الإقليمية والدولية.
وهكذا يتضح أن الإنتقال من الصحراء إلى القفطان ليس مجرد تنقل بين ملفات مختلفة، بل تعبير عن أزمة أعمق في التفكير الدبلوماسي، في مقابل نموذج مغربي يقوم على التوازن، والواقعية، وتحويل الشرعية التاريخية - سياسياً وثقافياً - إلى اعترافات دولية ملموسة.