عبد الحميد البجوقي: الإرهاب النازي الجديد يخترق إسبانيا .. "الخطر الذي يصرّ البعض على ألا يراه"

عبد الحميد البجوقي: الإرهاب النازي الجديد يخترق إسبانيا .. "الخطر الذي يصرّ البعض على ألا يراه" عبد الحميد البجوقي
شكّلت عملية تفكيك أول خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم The Base في إسبانيا، وتحديداً في مدينة كاستيون يوم 30 نونبرمن السنة الجارية، واحدة من أكثر الأخبار صدمة في الساحة الوطنية الاسبانية. الخلية ذات الطابع السري والعقيدة النازية، كانت تمتلك ترسانة أسلحة وتتدرب على أساليب شبه عسكرية، مدفوعة بإيديولوجيا تفترض ضرورة إسقاط الديمقراطيات بالعنف وإشعال "حرب عرقية".
بدون شك، تفكيك هذه الخلية والعملية برمتها إنجاز أمني كبير، لكنه لا يكشف فقط خطورة التنظيم، بل يفضح ما جرى تجاهله لسنوات من وجود شبكات عنيفة ونازية جديدة تعمل على الأراضي الأوروبية في صمت وتنظيم.
رغم الاحتفاء الأمني المُستحقّ بالعملية، إلا أن الحدث يفتح الباب أمام أسئلة مُقلقة حول المناخ الاجتماعي ومسارات التطرف، والأثر المباشر على فئة تُستهدف دائماً بخطابات الكراهية، المهاجرون، وخصوصاً المسلمون من أصول مغربية.
سبق للعديد من المنظمات المدنية والدراسات والاستطلاعات أن نبهت إلى بيئة خصبة للكراهية تتمدد بفعل الخطاب العنصري لأحزاب اليمين المتطرف من داخل المؤسسات التشريعية الوطنية والجهوية.
التنظيمات العنصرية لا تولد من فراغ. خطاب الكراهية، المُعادي للمسلمين والسود وكل ما هو “غير أبيض”، يتغذى من أجواء سياسية باتت فيها رسائل التخويف من الهجرة والهوية والأمن جزءاً من الخطاب العام والعمومي داخل برلمانات الديموقراطيات العريقة، وهنا يكمن الخطر الحقيقي، حين تزدهر الكراهية في العلن، تنتعش التنظيمات الإرهابية في الظل.
كلما جرى تفكيك خلية نازية جديدة، يتجلى خطران متوازيان، الأول واضح ومباشر، يتمثل في مستوى العنف الذي كانت تلك الخلية تستعد لتنفيذه. أما الثاني فهو أكثر خفاءً وضرراً، إذ تُسارع بعض الأطراف السياسية والإعلامية إلى استثمار الحدث لزرع الشك في المهاجرين ووصمهم من جديد بمصدر كل سوء، من بطالة وتراجع النظام الصحي والخدمات الاجتماعية، والأمن وارتفاع معدل الجريمة، وهكذا تنقلب الصورة؛ فبدلاً من التركيز على الإرهابيين، يتحوّل النقاش العام في هذه الدول وبشكل غير مُبَرّر نحو الهجرة والمسلمين وموضوع الأمن، رغم أن هؤلاء هم المستهدفون الأولون بأي اعتداء محتمل.
في الأسابيع الأخيرة برز مثال خطير لهذا الانزلاق، عقب تصريحات رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق اليميني خوسيه ماريا أثنار الذي وصف “الهجرة المسلمة” بأنها “مشكلة حقيقية”، مدّعياً أنها “لا تريد الاندماج”، في خطاب يصعب فصله عن الأجواء التي تتغذى منها التنظيمات العنصرية والنازيون الجُدد.
بمثل هذه التصريحات يتغدى الإرهاب ومن يجول في فلكه، وهنا تُصبح المقاربة بعيدة عن الأسباب الحقيقة والعميقة لميلاد وتنامي المد العنصري وتفريخه لخلايا إرهابية، كما تصبح المقاربة أقرب من تجريم جماعي لملايين المواطنين من أصول غير أوروبية إلى جانب المقيمين الذين لا تربطهم صلة لا من قريب ولا من بعيد بهذه الخلايا المتطرفة، لكنهم معنيون بالخطاب الذي يساهم في ميلاد هذه الخلايا الإرهابية.
وجود خلايا نازية جديدة وتكاثرها المُقلق لا يزرع فقط الخوف داخل الأسر المهاجرة ويتسلل إلى حياتها اليومية، خاصة في المناطق التي شهدت سابقاً أعمال عنف وعنصرية مثل إل إيخيدو بالأندلس، ومؤخرا توري باتشيكو بمورسيا، بل يُهَدد أمن الدولة واستقرارها.
ما يزيد الطين بلة هو احتمال أن يدفع هذا الحدث السلطات نحو مزيد من التدقيق والمراقبة على المجتمعات المُسلمة، رغم أنها المستهدف لا الفاعل.
بهذا تتحوّل الضحية مجدداً إلى مُشتبه بها، وهو مسار خطير يقوّض الثقة ويغذي الانقسام.
نجاح أجهزة الأمن الاسبانية في كاستيون مهم ويستحق التنويه، لكنه لا يكفي. فالسؤال الجذري يظل:
كيف نوقف سرديات “الصراع العرقي والديني” قبل أن تتسلل إلى الشارع وتخترق مفاصل المجتمع؟
إسبانيا بلد أثبت قدرة كبيرة على الاندماج والتعايش، لكن الحفاظ على هذا النموذج يتطلب مواجهة حاسمة للجماعات المُتطرفة، وفي الوقت نفسه رفض تحويل المهاجرين والمسلمين إلى كبش فداء سياسي.
تفكيك خلية The Base خبر جيد للديمقراطية، لكنه أيضاً جرس إنذار.
الخطر لا يكمن فقط في نوايا هذه الجماعات العنيفة، بل في قدرتها على تمزيق النسيج الاجتماعي عبر نشر الخوف، وتشويه صورة المهاجرين، ودفع المجتمع نحو الاستقطاب.
وإن لم يُواجه هذا التحدي بوعي سياسي وإعلامي وأمني، فإن الثمن قد يكون باهظاً، سيعني لا محالة المزيد من الكراهية، المزيد من الشك اتجاه الأبرياء، والمزيد من هشاشة التعايش الذي بُنِيَ عبر عقود.
 
عبد الحميد البجوقي، خبير في الشأن الإسباني