يوسف غريب: عطاف الجزائري.. بين الإستعطاف المهين بالخارج والعنترة اللغوية بالدّاخل

يوسف غريب: عطاف الجزائري.. بين الإستعطاف المهين بالخارج والعنترة اللغوية بالدّاخل يوسف غريب
حين أدار وجهه عليه، كانت آخر قطرة دم في وجهه قد تلاشت، وبدا وسط الحشد كمن يطلب المساعدة على الوقوف جرّاء مدّة الانحناء والتوسّل أمام الأمين العام للأمم المتحدة.
هو أحمد عطاف، بطل هذا المشهد الأسبوع الماضي، الذي ختم به ذاكرة القمة العشرين بجنوب أفريقيا، بعد لقطة لزميله بالوفد الجزائري حوّلت قاعة افتتاح أشغال القمة إلى مطعم مفتوح على الهوى تزامنت بشكل غريب مع كلمة رئيس الوفد الجزائري متحدّثًا عن الفقر بإفريقيا.
والحال أن فقر الهبة وعزة النفس والكرامة أبشع الأمراض من الفقر الطبيعي، كما هو المشهد أعلاه، والوزير عطاف يدشّن بهذا الانحناء المهين دبلوماسية الاستعطاف التي قوبلت بالكثير من الإزدراء والتحقير من طرف المجتمع الدولي في شخص الأمين العام للأمم المتحدة.
هي الرسالة - أيا كان الموضوع - فالجزائر اليوم وبهذا النظام العسكري الفاشيستي أصبحت بقوة الصورة منبوذة ومكروهة ومارقة في محيطها القاري ووسط دول العالم.
هي صورتهم في الخارج، لا يزدادون إلا تصغيرًا وانحناءً أمام أي انتصار دبلوماسي لبلدنا أو موقع متقدم لوطننا، آخرها تفريغ سردية عطاف الوسيط إلى تثبيت الجزائر كطرف مباشر مدعوّ بقوة القانون إلى طاولة المفاوضات تحت قاعدة القرار الأممي رقم 2797.
وهي آخر جملة الأمين العام قبل أن يدير وجهه على عطاف، فالملف قد طوي، وعلى المغرب السلام، وبما يقابله من الدعاء للشعب الجزائري الشقيق بالتخلص الفوري من هذه الشردمة التي لا تستأسد إلا داخل قاعات الجزائر وبعنترية لغوية بائدة، وسردية عقدة مزمنة، كما في هذه الفقرة:
(حان الوقت تصفية رواسب الاستعمار.. لكن في ذات الحين يجب ألا نتغافل عن تصفية الاستعمار بصفة نهائية.. ولأشقائنا في آخر مستعمرة بالصحراء الغربية أصدق عبارات التضامن والدعم في تحقيق حقهم الشرعي والمشروع في تقرير مصير دولتهم).
الفقرة عيّنة من خطاب الوزير عطاف البارحة خلال افتتاح أشغال المؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار في إفريقيا، بناءً على قرار قمة رؤساء الدول والحكومات للاتحاد الإفريقي رقم 903 (XXXVIII) الصادر في فبراير 2025، بهدف مناقشة الأبعاد الإنسانية والثقافية والاقتصادية والبيئية والقانونية لجرائم الاستعمار في إفريقيا، وتحديد آثارها، ووضع استراتيجية إفريقية للعدالة وجبر الضرر... بل تم تحديد ديباجة إعلان الجزائر مسبقًا بخلفية أن أفريقيا قد تخلّصت من الاستعمار بشكل نهائي إلا في عقلية النظام الجزائري الذي ما زال يصرّ على استغلال أي مناسبة قارية بالجزائر لترديد أسطوانة آخر مستعمرة في إفريقيا وإلى آخر رمق بنفس هزائمي، كما يبدو في هذه الفقرة نفسها.
فقد أحسّ السيد عطاف الذي لا يستقيم عموده الفقري إلا داخل الجزائر، أحسّ بأن إفريقيا تغافلت عن أطروحتهم الانفصالية، لذلك حاول أن يذكّرهم من جديد رغم فقدان الأمل بعد القرار الأممي الأخير، بل هو نفسه اقتنع من حيث لا يدري بنهاية الملف وإلى الأبد، لذلك مارس أضعف الإيمان مع أشقائه الصحراويين عبر التضامن بعد ممارسة سابقة باليد العسكرية ففشل وانهزم، أما قلوبهم فخديعة أبدية.
وبالمناسبة…
أليست مؤسسة مجلس الأمن ضمن منظومة العقيدة الأممية وآلية تدبيرية تحت شرعية الأمم المتحدة، بل حتى شمّاعة إن الملف الصحراء المغربية مطروح داخل اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، فالسند القانوني للقرار الأممي الأخير قد عبّد الطريق لسحب هذا الملف من اللجنة مطلع السنة المقبلة على أكثر تقدير، بحيث لا يتطلّب الأمر سوى 97 دولة فقط من أصل 193 داخل الجمعية العامة، وهو ما أشار إليه جلالة الملك في خطاب عيد الوحدة:
(لقد قلت في خطاب سابق، أننا انتقلنا في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير.. فالدينامية التي أطلقناها، في السنوات الأخيرة، بدأت تعطي ثمارها على جميع الأصعدة. ذلك أن ثلثي الدول بالأمم المتحدة أصبحت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد لحل هذا النزاع).
هو خطاب الوضوح وسط مسار عبّدناه بأرواح شهدائنا تاج عمراننا اليوم بأقاليمنا الجنوبية، وبين جيل وآخر لا نراكم إلا سلّم الصعود والمجد بيد ممدودة للجوار وأخرى على الزناد.
هي ملحمتنا اليوم ومنذ 70 سنة لا ندافع إلا عن أرضنا كعقيدة وجود قبل الحدود، وعلى ضوئها أسدل الستار على هذا العداء المرضى لهذا النظام العسكري بالجزائر التي فقدت كل المصداقية والثقة وسط العالم.
 
يوسف غريب، كاتب صحفي.