عدول المغرب يصفون مشروع القانون 16.22 بـ’"إعدام مهني" ويهددون بالتصعيد

عدول المغرب يصفون مشروع القانون 16.22 بـ’"إعدام مهني" ويهددون بالتصعيد من لقاء المجالس الجهوية للعدول بالمملكة المغربية
نظّمت المجالس الجهوية للعدول بالمملكة المغربية، بكل من طنجة وبني ملال والراشيدية وتطوان ووجدة ومكناس وآسفي، الجمعة 28 نونبر 2025، لقاءً تواصليًا وندوة صحفية موسّعة بالرباط، حضرها ممثلو الجمعية المغربية للعدول والجمعية الوطنية للمرأة العدل، إضافة إلى فعاليات مهنية من مختلف الإطارات النقابية والجمعوية المرتبطة بمهنة التوثيق العدلي.
وقد شكّل هذا اللقاء محطة مفصلية في مسار الدفاع عن المهنة، وجاء ليحمل موقفًا موحّدًا تجاه مشروع القانون 16.22 المتعلق بتنظيم مهنة العدول.
 
وقال المتدخلون أن الورقة التشريعية التي عُرضت للنقاش لا تحمل أي ملامح إصلاحية، بل تتضمن “صيغة مُعلّبة” تُقزّم دور العدول وتسعى إلى الحد من اختصاصاتهم وجرّهم إلى هامش منظومة التوثيق.
وأجمع الحاضرون على أن المشروع بصيغته الحالية “لا يصلح ليكون مرجعًا تنظيميًا ولا يمكن اعتباره أساسًا لبناء مستقبل المهنة”، بل هو نصّ يُعمّق الاختلالات ويشرّع لتمييز غير مبرّر بين مهن التوثيق، بما يخالف روح الدستور ومبادئ العدالة المهنية.
 
التدخلات التي تتابعت خلال الندوة، أكدت أن المشروع جاء محمّلًا بلغة عقابية، تعتمد على مصطلحات تُستعمل عادة في القوانين الزجرية من قبيل: “يمنع”، “يتعين”، “يجب”، “يتضمن”، في مقابل غياب شبه تام لأي حقوق مهنية واضحة أو ضمانات أساسية للعدول، سواء في حماية مهامهم أو تنظيم شروط الممارسة أو ضبط حدود المسؤولية المهنية.
واعتبر المتدخلون أن هذه المقاربة المتشددة لا تمت لروح الإصلاح بصلة، بل تُظهر توجهًا يروم التضييق على المهنة وتقليص مجالات عمل العدول، خاصة في ما يتعلق بالوكالات والمعاملات التوثيقية التي ظل العدول يمارسونها تاريخيًا بشكل قانوني ومنظم.
 
كما عبّر المتدخلون عن استغرابهم من الطريقة التي صيغ بها المشروع، إذ تجاهل كليًا المخرجات التي أسفرت عنها الاجتماعات السابقة بين ممثلي المهنة والوزارة الوصية، وتجاهل المحاضر الرسمية التي وُقعت بعد جلسات الحوار، والتي تضمّنت مطالب واضحة ومشروعة تهمّ تطوير المهنة وتمكين العدول من آليات عمل فعالة، تضمن جودة الخدمة المقدمة للمواطنين واستمرارية المعاملات القانونية والمالية دون تعطيل.
 
وفي هذا السياق، أوضح سعيد الصروخ، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية طنجة ومنسّق تنسيقية المجالس الجهوية للعدول بالمملكة، أن اللقاء جاء استجابة لدعوات عدد من المجالس الجهوية التي عبّرت عن رغبتها في توحيد الصف المهني والوقوف وقفة رجل واحد أمام مشروع وصفه بأنه “غير منصف ومجحف، بل وخطير على مستقبل المهنة”.
وأضاف الصروخ أن المشروع يسقط في التمييز بين المواطنين، لأنه يحرمهم من حق اختيار الجهة التوثيقية التي يرغبون في اللجوء إليها، ويُكرّس نوعًا من الإقصاء غير المفهوم تجاه العدول، رغم أنهم يشكّلون دعامة أساسية في منظومة الأمن التعاقدي بالمغرب. وشدد على أن مشروعًا كهذا لا يمكن أن يمرّ في ظل الوعي المتزايد لدى المهنيين، ولا يمكن أن يحظى بالقبول ما دام يقوّض مهنة تاريخية ويهدد استقرار المعاملات القانونية للمواطنين.
 
من جهته، أكد ادريس الطرالي، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية بني ملال وعضو المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية للعدول، أن المشروع يشكّل تراجعًا كبيرًا عن المكتسبات التي حققتها المهنة عبر عقود من النضال، وأنه لم يراعِ الحد الأدنى من المطالب التي رفعتها المجالس الجهوية ونقلتها إلى الوزارة عبر قنوات الحوار الرسمي. وأضاف الطرالي أن العدول يمارسون مهنتهم منذ عشرين سنة وهم يطالبون بإطار قانوني عصري ومنصف يحترم مهامهم، لكنه – للأسف – جاء نصٌّ يفرغ المهنة من مضمونها ويحاصرها بدل تمكينها. وأشار إلى أن المشروع يتضمّن عبارات ومضامين تُستعمل عادة في التشريعات ذات الطابع الردعي، ما يعكس غياب الفلسفة الإصلاحية التي يفترض أن تُبنى عليها قوانين تنظيم المهن الحرة.
 
وقد ركزت غالبية التدخلات على أن المشروع، بصيغته الحالية، يفتقد التوازن بين الحقوق والواجبات، ويضع العدول تحت طائلة التزامات ثقيلة دون توفير أي أدوات للعمل أو حماية مهنية. وهو ما اعتبره الحاضرون “محاولة منظمة لتفكيك المهنة وإضعافها تدريجيًا”، بل ووصلت بعض المداخلات إلى حد القول بأن النصّ “يؤسس لإعدام مهني ممنهج” من خلال حرمان العدول من ممارسة مهامهم التقليدية وتهميشهم في السوق التوثيقي.
 
كما شدد المشاركون على أن المواطن سيكون أول المتضررين من تطبيق مشروع القانون، لأن إضعاف مهنة العدول سيؤدي إلى تقليص الخيارات المتاحة أمامه في الخدمات التوثيقية، وإلى خلق نوع من الاحتكار غير المبرر، إضافة إلى تهديد الأمن التعاقدي الذي يُعدّ عنصرًا محوريًا في الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. وأكد الحاضرون أن العدول، عبر التاريخ، شكلوا ضمانة للشفافية والنزاهة وحماية الحقوق، وأن تغييـب دورهم أو تقليصه لن يخدم المصلحة العامة.
 
وفي ختام اللقاء، دعت المجالس الجهوية والهيئات المهنية المشاركة الوزارة الوصية إلى سحب المشروع فورًا وإعادة صياغته وفق مقاربة تشاركية حقيقية، تُشرك العدول وممثليهم في كل مراحل الإعداد والتشاور، بما يضمن قانونًا عصريًا وعادلًا يحافظ على مكانة المهنة ويضمن تطويرها. كما جدد الحاضرون تأكيدهم أنهم ليسوا ضد الإصلاح، بل ضد النصوص التي تسعى بطريقة أو بأخرى إلى تهميش المهنة وتقويض أدوارها الطبيعية، مشددين على أن الدفاع عن مهنة العدول هو دفاع عن المواطن وعن الأمن التعاقدي وعن استقرار المعاملات في المملكة.
 
وقد اختُتم اللقاء بالتأكيد على أن العدول سيواصلون التعبئة المهنية والدفاع عن حقوقهم المشروعة، وأنهم موحدون في رفض أي مشروع تشريعي لا يحترم تاريخ المهنة ولا مكانتها داخل المنظومة القانونية والقضائية. وأن السكوت عن هذا المشروع، بصيغته الحالية، لن يكون إلا قبولًا بمحاولات إعدام مهنة لعبت وما تزال تلعب دورًا محوريًا في خدمة المواطنين والدولة.