تقف مؤسسة محمد السادس للصحة والمستشفى الجديد ابن سينا وجهًا لوجه، كأنهما عملاقان استشفائيان انتقلا معًا إلى الحيّ نفسه، يحمل كلٌّ منهما رؤية وتجربة مختلفة، لكنهما يشتركان في خدمة وطن واحد.
الأولى تُعدّ جوهرة الطب الحديث، مشيّدة بعناية لتجسيد أعلى درجات التميز.
والثاني، في طور ولادة جديدة، يمثّل طموح الخدمة الصحية العمومية الجامعية بالمغرب، وقد أُعيد بناؤه وفق معايير دولية دقيقة.
هذا القرب الجغرافي ليس صدفة، بل هو إشارة إلى مرحلة جديدة في مسار المنظومة الصحية الوطنية، حيث يمكن لمؤسستين رائدتين، إحداهما شبه خاصة ذات نفع عام، والأخرى عمومية، أن توحّدا جهودهما لتقديم خدمة صحية أكثر سلاسة وفعالية وإنصافًا للمواطن.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو: كيف يمكن لهذين الصرحين أن يعملا بتناغم، بحيث يصبح مسار المريض أكثر وضوحًا وإنسانية، وفي الوقت ذاته مستدامًا اقتصاديًا بالنسبة لنظام التأمين الإجباري عن المرض، أحد أعمدة المشروع الاجتماعي الملكي؟
مؤسسة محمد السادس للصحة تُقدّم نفسها مركزًا للتميّز.
حيث تلتقي الابتكارات الطبية، والتقنيات المتقدمة، والرعاية فائقة التخصص.
أما مستشفى ابن سينا الجامعي، فيحافظ على جوهر مهمته التاريخية: التكفّل بالمرضى الأكثر تعقيدًا، التدخلات الحرجة، الحالات المستعجلة، إلى جانب أدواره المحورية في تكوين الأطر الصحية وتوفير الولوج العادل إلى العلاج.
لسنا أمام عالمين متقابلين، بل أمام فضاءين متكاملين.
وعندما تُنسَّق المقاربات، يمكن لهذا التكامل أن يصنع نموذجًا جديدًا للرعاية الصحية.
وتبدأ هذه الرؤية بتوضيح الأدوار.
يمكن للمؤسسة أن تركّز جهودها على التدخلات المعقدة، التخصصات الدقيقة، والبحث الطبي المتقدّم.
بينما يتولى مستشفى ابن سينا مهام الصحة العمومية الجامعية، ورعاية أمراض المستوى الثالث، واستقبال العدد الأكبر من المرضى.
وبهذا الأسلوب، يتفادى الطرفان الازدواجية، ويتقاسمان الجهود، ويُوجِّهان المرضى وفق حاجاتهم الحقيقية.
كما يمكن لتقاسم بعض الموارد أن يتحوّل إلى رافعة استراتيجية، دون المسّ باستقلالية كل مؤسسة.
فالمعدّات الثقيلة، وبعض البُنى التقنية، والخبرات العلمية يمكن أن تكون مجالاً للشراكة، خصوصًا في ميدان البحث العلمي والطبي، بما يحمله من إمكانات صناعية مستقبلية.
التنسيق في تحويل المرضى، تبادل قراءات التصوير الطبي، والتعاون في الجراحة الكبرى يمكن أن يحوّل الجوار إلى شراكة طبيعية، تخدم المريض قبل كل شيء.
عندها، يصبح مسار العلاج أكثر وضوحًا.
فالمواطن ليس مضطرًا للبحث وحده أو التنقّل بين مؤسسات متعددة بلا توجيه.
التواصل بين الفرق الطبية، والبروتوكولات المشتركة، وآليات الإحالة المنظمة، جميعها تصنع سلسلة رعاية متماسكة ومطمئنة.
والبعد الاقتصادي حاضر بقوة.
فالتنسيق الرشيد يعني تقليل التكرار، الحد من النفقات غير الضرورية، وضمان استعمال أمثل للموارد.
وهو ما يحمي توازن التأمين الإجباري ويحافظ على قدرته على تغطية الجميع دون إرهاق المستفيدين.
يمتلك المغرب اليوم فرصة نادرة لابتكار نموذج جديد للتعاون الاستشفائي، تكون فيه كفاءة أحد الصرحين ورديفته العمومية عنصرين متكاملين لا متنافسين.
مؤسستان متجاورتان، لكنهما قادرتان على التقدم بخطى موحّدة، في خدمة منظومة صحية تطمح إلى الجودة، والإنصاف، والاستدامة.
وقد يتحوّل هذا الجوار إلى مختبر حقيقي لملامح الصحة المغربية والإفريقية المستقبلية، ليس فقط على مستوى الوطن، بل على مستوى إفريقيا كذلك.
فالمباني المبهرة خطوة أولى، أما التنسيق العميق بين المؤسسات، فهو ما يصنع الفارق الحقيقي.
الدكتور أنور الشرقاوي، خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحية