شهدت مدينة الداخلة ليلة روحية وطنية مميزة خلال فعاليات “الليلة الكبرى للاحتفال بالفتح الرباني لمغربية الصحراء”، التي نظمتها الطريقة القادرية البودشيشية يوم 22 نونبر 2025. حضر هذا الموعد عدد كبير من مريدي الزاوية ووجهاء المنطقة والفاعلين المحليين، حيث امتلأت القاعة بالمشاركين مباشرة بعد صلاة المغرب. تخللت الحفل تلاوات قرآنية وأمداح نبوية عكست عمق الحضور الصوفي بالأقاليم الجنوبية.
ركزت المداخلات على دلالات شعار “الفتح الرباني”، مبرزين أن مغربية الصحراء حقيقة راسخة تاريخياً وشرعياً، وأن الدفاع عنها واجب ديني ووطني. كما أبرز المنظمون دور “الدبلوماسية الروحية” التي تنخرط فيها الزوايا لدعم الوحدة الترابية خلف القيادة الملكية.
أكد الدكتور إسماعيل راضي، خلال كلمته، أن هذا التجمع يُعتبر مناسبة لتجديد العهد الوطني واستحضار المسار التاريخي للمملكة في الدفاع عن وحدتها الترابية، موضحا أن حضور شيخ الطريقة سيدي معاذ القادري بودشيش، إلى جانب الأعيان والفقهاء وطلبة القرآن الكريم وجموع المحبين للذكر، يعكس العمق الروحي الذي يميز الصحراء المغربية ويمدّ جذوره في تاريخها الحضاري.
ولفت إلى إن تنظيم هذا اللقاء الروحي بمدينة الداخلة، "جوهرة الجنوب"، يأتي احتفاءً بالفتح التاريخي الذي تحقق منذ المسيرة الخضراء، بقيادة جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، وتواصلَ بإشراف جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي توّج جهود المملكة بإعلان أممي حاسم أكد أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها. وأضاف أن جعل هذا اليوم عيدًا للوحدة يجسد رؤية ملكية متبصرة تُجدد معاني العزّة والسيادة الوطنية.
وأوضح أن المجتمعاتُ الصحراوية ظلّت، عبر التاريخ، مواليةً للسلاطين المغاربة، مستفيدةً من العطاء الفكري والعلمي لعلماء المغرب، فضلًا عن الأسانيد الصوفية المغربية التي رسخت وجودها في الطرق الصوفية الإفريقية؛ بما في ذلك القادرية والشاذلية والتيجانية بجميع فروعها وامتداداتها.
وأشار المتحدث إلى أن الصحراء المغربية ليست فقط فضاءً جغرافيًا، بل مجالًا حيًا للإرث الروحي والثقافي الذي ربط المغرب بعمقه الإفريقي عبر القرون، مبرزًا أن علماء المملكة ورجالات التصوف تركوا بصمتهم في بلدان الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء، وأسهموا في نشر قيم السلم والاستقرار والوحدة. وهو ما جعل المغرب، على حدّ تعبيره، مركزًا روحياً مرجعياً لعدد من الدول الإفريقية.
وفي كلمته، شدد الدكتور راضي على ضرورة صيانة هذا الإرث الروحي والحضاري، وتعزيزه ضمن رؤية تنموية متكاملة تزاوج بين التنمية المادية والقيمية، بما يضمن الارتقاء بالأقاليم الجنوبية والحفاظ على هويتها الأصيلة، مشيرا إلى أن الثقافة الصحراوية، بمعانيها الصوفية الراقية، كانت وما تزال محفزًا للإبداع وبناء مجتمع متماسك ومنفتح.
كما تطرق إلى الأهمية الاستراتيجية لمدينة الداخلة، باعتبارها بوابة المغرب نحو إفريقيا، ومركزًا لتعزيز الروابط الروحية والثقافية بين الشعوب، مشيدًا بالدور الكبير للشباب الصحراوي في النموذج التنموي الجديد، الذي يراهن على الاستثمار في الرأسمال البشري باعتباره الثروة الحقيقية للمملكة.
وذكٌر الدكتور إسماعيل راضي بالدور الرائد للطريقة القادرية البودشيشية في دعم الوحدة الوطنية، سواء عبر مسيرات الذكر وسلكات القرآن، أو من خلال مشاركاتها التاريخية في المسيرة الخضراء ومساهماتها المستمرة في التعريف بالقضية الوطنية في مختلف المحافل.
كما أبرز الجهود التي يبذلها شيخ الطريقة، سيدي معاذ القادري بودشيش، الذي يواصل نهج أسلافه في تعزيز الروابط الروحية مع أبناء الصحراء، وتنظيم الملتقيات التي تجمع بين الأصالة ومتطلبات العصر، بهدف الإسهام في الإعمار الروحي والثقافي للمنطقة.
واختتم الدكتور إسماعيل راضي حديثه بالتأكيد على أن الإنسان الصحراوي، بعمقه الروحي ورصيده الثقافي، قادر على المساهمة في بناء نهضة حضارية مغربية قوية، تنطلق من الثوابت الوطنية وتحتضن الحداثة، بما يضمن مستقبلًا مزدهرًا ومستدامًا للأقاليم الجنوبية وللمملكة ككل.
وفي هذه المناسبة الروحية، ألقى السيد محمد فاضل الخطاط كلمة ترحيبية عبّر فيها عن بالغ سرور ساكنة الداخلة بهذه الزيارة الكريمة، مبرزًا ما يجمع المنطقة بالطريقة القادرية البودشيشية وشيخها من روابط روحية ووجدانية راسخة.
كما نوه بالإنجازات الدبلوماسية الكبيرة التي حققتها القضية الوطنية، مؤكّدًا أن هذا اللقاء الروحي ينسجم مع مشاعر الاعتزاز التي يشترك فيها جميع المغاربة، ويجسد في الوقت نفسه تقديرهم للدور الريادي لجلالة الملك في تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ السيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية.
وكان شيخ الطريقة القادرية البودشيشية، السيد معاذ القادري، قد وصل صباح الجمعة المنصرم إلى مطار الداخلة، حيث تم استقباله من طرف فاعلين محليين وشخصيات ودينية وروحية وأعيان القبائل.
ويُذكر أن هذا الملتقى الروحي يندرج في إطار استمرار تعبئة المغاربة ودعمهم للقضية الوطنية تحت القيادة الملكية الرشيدة، وتعزيز الروابط الروحية والتاريخية التي تجمع شمال المملكة بجنوبها، ووعكس تنظيم هذا الموعد بمدينة الداخلة رسالة بالغة الدلالة، تُبرز ما تنعم به الأقاليم الجنوبية من أمن واستقرار وتعزز روح التلاحم الوطني.
واختُتمت فعاليات هذه التظاهرة الروحية برفع الدعاء لأمير المؤمنين وللمملكة بالوحدة والأمن ومزيد من الازدهار، كما تُليت برقية ولاء وإخلاص مرفوعة الى السدة العالية بالله باسم شيخ الطريقة القادرية البودشية السيد معاذ القادري بودشيش وكافة الحاضرين.