في نواحي باريس بأرجونتوي، يوم الأحد 23 نونبر 2025، إرتفعت خيمة لا تشبه أي خيمة أخرى خيمة نسجت من رمل الصحراء ونفَس تاريخ المسيرة الخضراء أقامتها جمعية نون بقيادة رئيسها رشيد بداهي في مشهد بدا كأنه إستعادة لدفء الجنوب المغربي بين الأزقة الباردة للعاصمة الفرنسية. كانت الخيمة قائمة كجدار من الانتماء يحمل ذاكرة الوافدين من وادي نون والمناطق الصحراوية أولئك الذين غادروا الأرض ولم تغادرهم جذورها فحضروا ليحتفلوا بعيد المسيرة وبإحصائيات وإنجازات جمعيتهم التي تحولت إلى بيت كبير للجالية وجسرا يعيد وصل الأجيال بروابط الوطن وقيمه.
في قلب هذا الحضور المتدفق كان المشهد يزداد بريقا بقدوم محمد الصباري، النائب الأول لرئيس البرلمان المغربي، رجل يحمل في خطوته صرامة الصحراء وفي نبرته تلك النعومة التي لا يعرفها إلا من عاش الحكمة وتمرّس على دهاليز الدبلوماسية. جاء الصباري لا ليخطب فقط بل ليمنح للاحتفال معنى آخر جاء بصوته الهادئ الحاسم ممثلا لإطفاء العواصف التي تهز القلوب أحيانا وحاملا رسائل صاحب الجلالة رسائل سلام ورؤية ووضوح يليق برجل دولة يعرف أن الكلمة قد تكون في عمقها أشد من السيف.
كان وجوده بين أبناء الجالية أكثر من حضور رسمي كان موقفا مكتوبا بالثقة والتجربة يحمل يقين المغرب في قضيته الوطنية ويصوغ خطابا يوازن بين السلام الذي لا يخضع والصرامة التي لا تستفز. لم يكن صدى أحرفه مجرد خطابة عابرة بل كان خيطا من نور يمتد من الرباط إلى باريس يجعل الجميع يشعر أن الدفاع عن الصحراء ليس دفاعا عن تراب بل عن حياة كاملة وذاكرة ومصير مشترك.
تلك الاحتفالية التي ارتفعت فيها النجمة الخضراء فوق الرؤوس بدت كمسيرة رمزية تمشي فيها القلوب قبل الأقدام مسيرة تؤكد أن المغرب مهما ابتعد جغرافيا يظل قريبا من نبض أبنائه أينما وجدوا. ومع كل كلمة نطق بها الصباري كانت الوجوه تزداد يقينا بأن الرجل يعرف الميدان ولا يراوغ فيه وأن السلام حين يخرج من فم رجل يفهم قوة بلاده وجهته يصبح أثقل من الشعارات وأعمق من البيانات.
أما جمعية نون فقد ظهرت في ذلك اليوم في أوج إشعاعها جمعية تجمع الأرقام بالإنجازات وتحوّل الإحصائيات إلى قصص إنسانية حقيقية قصص نجاح وتأطير وتلاحم وعمل اجتماعي لا يهدأ. كانت الأرقام دليلا على أن الجالية منخرطة بقوة وأن جهود رشيد بداهي وفريقه لم تكن مجرد مبادرات بل مسار متكامل يثبت أن الروابط الروحية لا تقطعها المسافات وأن أبناء وادي نون حيثما أقاموا يبقون أوفياء لعمقهم وهويتهم.
ذلك اليوم لم يكن للاحتفال بالمسيرة الخضراء فقط بل كان مشهدا من مشاهد الدبلوماسية الشعبية حين تتكامل إرادة الناس مع حضور رجال الدولة ليكتبوا معا صورة تقول:
إن الصحراء حق يعيش في القلوب وإن المغرب حين يرفعه رجال مثل رشيد بداهي ومحمد الصباري يصبح أكبر من حدوده وأعمق من الجغرافيا. كان المشهد وعدا جديدا بأن الوطن حين يحمله أبناؤه بصدق يصبح مطمئنا في ذاكرة الجميع وأن الصوت المغربي حين يعلو بصدق ينقش نفسه في الرمل ولا تمحوه الرياح.