نشر الفنان وأستاذ التعليم الفني "بوشعيب الطالعي"، في صفحته على الفايسبوك اليوم 23 نونبر 2025، صورة قديمة لبناية المسرح البلدي بالدار البيضاء، هذه المعلمة التي تعرضت للهدم بشكل مؤسف، و قد أرفق الطالعي أستاذ الأجيال في المسرح مع الصورة، تدوينة معبرة تشبه جرس إنذار، يعلن أن شيئا ما تهدم أيضا داخل منظومة المهرجانات المسرحية، وأن هوّة كبيرة باتت تفصل بين الماضي الذي عرفه المسرحيون، والواقع الذي يواجهونه اليوم.
في استرجاعه لزمن مضى، يذكّر الطالعي بمرحلة كانت فيها المهرجانات طقسا ثقافيا قائما على التنظيم المحكم وحسن الاستقبال والاعتراف الجماعي، بفضل كل رجال ونساء المسرح دون استثناء. كانت الدعوات تُوجَّه بوضوح، والاستقبال يتم بكرم يليق بفنانين أفنوا حياتهم على الخشبة أو الركح حسب القاموس المسرحي، فيشعر الجميع أن المهرجان بيت مفتوح للعائلة المسرحية، وأن الذاكرة الفنية قيمة مصونة وليست مجرد تفاصيل بروتوكولية سطحية.
لكن هذا المشهد تغيّر، كما يقول الطالعي، إذ تحوّل عدد من المهرجانات اليوم إلى فضاءات ريعية تُوزّع فيها الدعوات بمنطق "لكليكة"، التي تعيد إنتاج نفس الوجوه، و"قانون العزلة"، الذي يُقصي أصواتا وأسماء كان لها دور مفصلي في بناء التجربة المسرحية المغربية. هكذا تتكرر نفس الدائرة، بينما تظل الكفاءات الوازنة خارج الحسابات، وكأنها لا تنتمي أصلا إلى هذا المشهد.
وفي مقابل هذا الإقصاء، يرتع _ بحسب تعبيره _ "الدخلاء" داخل فضاءات المهرجانات كما ترتع طيور الموت في المآتم، تقتات على الفتات، وتحتل مواقع لا علاقة لها بالفعل المسرحي الحقيقي.
صورة قاسية تنقلها بوفاء تدوينة الأستاذ بوشعيب الطالعي، لكنها دقيقة في تشخيص اختلالات باتت مألوفة، نتجت عنها مهرجانات بلا روح، و بلا ذاكرة، وبلا رؤية.
هذا الوضع لا ينعكس فقط على اللحظة، بل يمسّ مباشرة الرواد والأجيال المتلاحقة الذين يجدون أنفسهم اليوم خارج الدعوات، محرومين من حقهم الطبيعي في الحضور وتتبع مسار فن كانوا جزء من تاريخ تأسيسه. إنه إقصاء ناعم لكنه فعّال للأسف الشديد، إذ يترك جرحا رمزيا داخل جسد المسرح المغربي، ويُفقد المهرجانات شرعيتها الأخلاقية والثقافية.
ومن هنا يصبح السؤال الذي تطرحه تدوينة الأستاذ الطالعي سؤالا جوهريا : هل ما زالت بعض المهرجانات تستحق هذا الاسم !؟ .. فالمهرجان الذي لا يحترم ذاكرة الوطن الفنية ولا يجمع عائلة المسرح ولا يفتح أبوابه لفاعليه الحقيقيين، يتجاوز كونه نشاطا فنيا، ليصبح مجرد مشروع إداري جامد مُغلّف بخطاب ثقافي واه.
وفي ختام تدوينته، كتب الأستاذ بوشعيب الطالعي: "وبه وجب الإسهام… والسلام"، وهي عبارة تلخص القصد الحقيقي، فليست التدوينة بكاء على الماضي ولا غضبا عابرا، بل مسؤولية فكرية وأخلاقية تدعو إلى صيانة الذاكرة المسرحية، وإعادة الاعتبار لمفهوم المهرجان بوصفه فضاء جامعا لا ضيعة مغلقة.