يُحكى أن رجلا تعرض للضرب على يد ابنه، فذهب إلى القاضي لِيَشْكُوَهُ إليه، فبادره بالسؤال عن عما لقنه له من علوم ومعارف، ليرد عليه الرجل أنه لم يفعل شيئا بهذا الصدد، واكتفى بتكليفه برعي الغنم. ثارت ثائرة القاضي، وخاطبه بلهجة غاضبة: اذهب يا رجل، ربما حسبك ابنك شاة من شياهه، فهشك كما يهشها.
تلخص هذه الحكاية واقعة تنمر"عبد الإله مول الحوت" على أستاذه، هذا الشاب تربى خارج المدرسة، واكتسب قيما لا تمت إليها بصلة، قيم ترتبط بالتنطع والخواء، وتلتصق بالمال، وتزن الأشياء بميزانه، ولا تلقي بالا أو اعتبارا للأخلاق والفضيلة وسمو التربية، وقد لاحظنا طريقة حديثه النَّزِق التي تحيل على تربية أخرى لا عهد لنا بها، وتجسد سلوكا طائشا، لا شك أن أساتذته عانوا منه كثيرا قبل أن يغادر أسوار المدرسة بِخُفَّيْ حُنين قيميا وأخلاقيا، ويكتسب أخلاق "الزنقة" في صورتها الفجة القبيحة.
يسلط هذا الحدث الضوء على انتشار ظاهرة التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي التي يحمل مشعلها أشخاص يجسدون سوء التربية في أردئ صورها، ويتقمصون دور الموجه الذي يحرص على نصح الشباب وتوجيههم صوب الجحيم الأخلاقي، هؤلاء يشكلون خطرا محدقا على الأسرة والمدرسة، لأنهم يهدمون في دقائق معدودات جهودا عظيمة بُنيتْ على امتداد أجيال.
لقد آن الأوان لوضع حد لهذه المعاول، وإعادة الاعتبار للعوامل المساهمة في تشييد صرح المجتمع الأخلاقي، ووقف نزيف الانهيار القيمي الذي لم يعد يستثني مربيا أو أبا أو أما، وصار يدهس بعيون مغمضة كل جميل في هذا المجتمع، متمليا برؤية الأنقاض، مستمرئا بمنظر الهدم المقزز.