عائشة العلوي: قانون المالية بين منطق التوازنات الماكرو-اقتصادية ووعود الدولة الاجتماعية

عائشة العلوي: قانون المالية بين منطق التوازنات الماكرو-اقتصادية ووعود الدولة الاجتماعية عائشة العلوي، أستاذة جامعية وخبيرة في الاقتصاد
قالت عائشة العلوي، أستاذة جامعية وخبيرة في الاقتصاد، أن قانون‭ ‬المالية يعاني ‬من‭ ‬فجوة‭ ‬هائلة‭ ‬بين‭ ‬تعقيده‭ ‬التقني،‭ ‬والحق‭ ‬الديمقراطي‭ ‬للمواطن. 
واوضحت المواطن هو الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الضريبة‭ ‬هو‭ ‬الممول‭ ‬الفعلي‭ ‬للمال‭ ‬العام‭. ‬ومن‭ ‬حقه‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يطّلع‭ ‬على‭ ‬وجهة‭ ‬أمواله،‭ ‬وكيفية‭ ‬صرفها،‭ ‬والمشاريع‭ ‬التي‭ ‬تُنفذ‭ ‬بدرهمه‭. ‬وعندما‭ ‬يلمس‭ ‬بشكل‭ ‬مادي‭ ‬تحول‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ضريبته‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬حيه‭ ‬أو‭ ‬مركز‭ ‬صحي‭ ‬قريب،‭ ‬تتحول‭ ‬علاقته‭ ‬من‭ ‬إلزام‭ ‬ضريبي‭ ‬إلى‭ ‬شراكة‭ ‬تنموية‭ ‬حقيقية‭.‬
وأبرزت في حوار مع "أنفاس بريس"، اقتراح‭ ‬التحول‭ ‬نحو‭ ‬قانون‭ ‬مالية‭ ‬جهوي‭ ‬-‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬ينبثق‭ ‬القانون‭ ‬المالي‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬رؤى‭ ‬مالية‭ ‬جهوية،‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭ ‬-‭ ‬كفكرة‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للمغرب‭. ‬ وهو‭ ‬مقترح‭ ‬مُطبق‭ ‬بصيغ‭ ‬متنوعة‭ ‬ومختلفة‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬تتبنى‭ ‬نماذج‭ ‬مالية‭ ‬متعددة‭ ‬المستويات،‭ ‬مثل‭ ‬إسبانيا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬وكندا،‭ ‬وغيرها‭.‬
 
 
 
في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬يطرح‭ ‬القانون‭ ‬المالي،‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬مجتمعي،‭ ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬وضوح‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمواطن‭ ‬العادي؟‭ ‬وهل‭ ‬يجب‭ ‬تبسيطه؟
هذا‭ ‬السؤال‭ ‬محورياً،‭ ‬فهو‭ ‬يلامس‭ ‬أحد‭ ‬التناقضات‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة:‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬الوثيقة‭ ‬المالية‭ ‬الأهم‭ ‬التي‭ ‬تمسّ‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬مباشرة‭ ‬غامضة‭ ‬ومعقدة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬تعزله‭ ‬عن‭ ‬فهمها؟
في‭ ‬اعتقادي،‭ ‬يعاني‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬من‭ ‬فجوة‭ ‬هائلة‭ ‬بين‭ ‬تعقيده‭ ‬التقني،‭ ‬والحق‭ ‬الديمقراطي‭ ‬للمواطن(ة)‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬والمشاركة‭. ‬ورغم‭ ‬كونه‭ ‬الوثيقة‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬أولوياتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يُقدّم‭ ‬بلغة‭ ‬محاسبية‭ ‬بحتة،‭ ‬أشبه‭ ‬بشيفرة‭ ‬لا‭ ‬يفكّ‭ ‬رموزها‭ ‬إلا‭ ‬الخبراء‭ ‬والسياسيين‭. ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬يجعله‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬«صندوق‭ ‬أسود»‭ ‬يُغلق‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬النقاش‭ ‬العمومي‭ ‬الواسع‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬تبسيط‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬ترفاً‭ ‬فكرياً،‭ ‬بل‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬واقتصادية‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬وذلك‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬أن
-‭ ‬المواطن(ة)‭ ‬شريك‭ ‬وليس‭ ‬رقماً،‭  ‬فالمواطن(ة)‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الضريبة‭ ‬هو‭ ‬الممول‭ ‬الفعلي‭ ‬للمال‭ ‬العام‭. ‬ومن‭ ‬حقه‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يطّلع‭ ‬على‭ ‬وجهة‭ ‬أمواله،‭ ‬وكيفية‭ ‬صرفها،‭ ‬والمشاريع‭ ‬التي‭ ‬تُنفذ‭ ‬بدرهمه‭. ‬وعندما‭ ‬يلمس‭ ‬بشكل‭ ‬مادي‭ ‬تحول‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ضريبته‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬حيه‭ ‬أو‭ ‬مركز‭ ‬صحي‭ ‬قريب،‭ ‬تتحول‭ ‬علاقته‭ ‬من‭ ‬إلزام‭ ‬ضريبي‭ ‬إلى‭ ‬شراكة‭ ‬تنموية‭ ‬حقيقية‭.‬
 
-‭ ‬الشفافية‭ ‬تبني‭ ‬الثقة،‭ ‬والتعقيد‭ ‬يغذي‭ ‬الشكوك:‭ ‬إن‭ ‬حصر‭ ‬النقاش‭ ‬المالي‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬النخبة‭ ‬يضعف‭ ‬الرقابة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬سلاحاً‭ ‬فعّالاً‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬المال‭ ‬العمومي‭ ‬والفساد‭ ‬والمحسوبية‭. ‬فالثقة‭ ‬تُبنى‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الوضوح‭ ‬والشفافية‭ ‬والنقاش‭ ‬الديموقراطي‭.‬
 
- التبسيط‭ ‬وسيلة‭ ‬للتمكين:‭ ‬فلا‭ ‬يقتصر‭ ‬أثر‭ ‬التبسيط‭ ‬على‭ ‬المواطن(ة)‭ ‬العادي(ة)،‭ ‬بل‭ ‬يشمل‭ ‬أيضاً‭ ‬أصحاب‭ ‬المتاجر‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمقاولين‭ ‬الناشئين‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬لفهم‭ ‬الآثار‭ ‬الضريبية‭ ‬على‭ ‬أنشطتهم‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بمختصين‭ ‬في‭ ‬المحاسبة‭ ‬أو‭ ‬المالية‭.‬
غير‭ ‬أن‭ ‬الخطوة‭ ‬التمهيدية‭ ‬نحو‭ ‬التبسيط‭ ‬-المتمثلة‭ ‬في‭ ‬«ميزانية‭ ‬المواطن»،‭ ‬تحتاج‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭. ‬إذ‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تظل‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬طويلة،‭ ‬وتفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الجاذبية‭ ‬والفعّالية‭ ‬والبساطة‭. ‬لذا،‭ ‬فإن‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬إلى‭ ‬حملة‭ ‬تواصل‭ ‬شاملة‭ ‬يُعد‭ ‬خياراً‭ ‬استراتيجياً،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬بسيطة‭ ‬تلامس‭ ‬عموم‭ ‬المواطنين/ات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الشباب،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬لغة‭ ‬وسرد‭ ‬مبسطين،‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬بصرية‭ ‬جذابة،‭ ‬تطوير‭ ‬منصة‭ ‬رقمية‭ ‬تفاعلية،‭ ‬تنظيم‭ ‬حملات‭ ‬توعوية‭ ‬في‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية،‭ ‬الخ‭.‬
من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يجب‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬«ميزانية‭ ‬النخبة»،‭ ‬إلى‭ ‬«ميزانية‭ ‬الجميع»‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬خطوة‭ ‬تقنية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬بامتياز‭. ‬فهو‭ ‬استثمار‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الثقة،‭ ‬وترسيخ‭ ‬مبدأ‭ ‬المساءلة،‭ ‬وبناء‭ ‬شراكة‭ ‬حقيقية‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمواطن(ة)‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬المستقبل،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المنعطف‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬المغرِب‭ ‬مع‭ ‬تطبيق‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬للصحراء،‭ ‬والذي‭ ‬يتطلب‭ ‬مشاركة‭ ‬واسعة‭ ‬وتعبئة‭ ‬وطنية‭.‬
 
إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يترجم‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬التوجهات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للدولة‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬حساباتها‭ ‬المحاسباتية؟
يحاول‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬أن‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬مستويين‭ ‬مختلفين:‭ ‬التوجهات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬كترسيخ‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الاستثمار‭ ‬المنتج،‭ ‬وحسابات‭ ‬محاسباتية‭ ‬صارمة‭ ‬تفرضها‭ ‬التزامات‭ ‬مالية‭ ‬وهيكلية‭ ‬متعددة،‭ ‬لكن‭ ‬ترجمة‭ ‬الخيارات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للدولة‭ ‬لا‭ ‬تتم‭ ‬دائماً‭ ‬بالزخم‭ ‬المطلوب،‭ ‬إذ‭ ‬تتقلص‭ ‬مساحات‭ ‬الفعل‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬عندما‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الميزانية‭ ‬بنود‭ ‬ثقيلة‭ ‬مثل‭ ‬الدين،‭ ‬وخدمة‭ ‬الدين،‭ ‬ودعم‭ ‬التوازنات‭ ‬الماكرو-اقتصادية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬توازنات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وبيئية‭ ‬تراعي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬للجيل‭ ‬الحالي‭ ‬والأجيال‭ ‬القادمة‭. ‬
وبالتالي،‭ ‬قد‭ ‬تتحول‭ ‬التوجهات‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬إعلان‭ ‬نوايا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تُترجم‭ ‬إلى‭ ‬رصد‭ ‬مالي‭ ‬واضح،‭ ‬وزمنية‭ ‬تنفيذ‭ ‬دقيقة،‭ ‬ومؤشرات‭ ‬قياس‭ ‬قابلة‭ ‬للتتبع،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬رؤيتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬إلى‭ ‬التزامات‭ ‬فعلية‭ ‬تواجه‭ ‬عدة‭ ‬عوائق،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬ضغوطات‭ ‬الشركات‭ ‬واللوبيات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬اشتراطات‭ ‬التمويل‭ ‬الخارجي،‭ ‬هشاشة‭ ‬النسيج‭ ‬الإنتاجي،‭ ‬وتزايد‭ ‬التحديات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والجيواقتصادية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬أولويات‭ ‬الإنفاق‭. ‬
 
لكن‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأهداف‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬«قانون‭ ‬المالية»‭ ‬هو‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتقوية‭ ‬النسيج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للبلد‭. ‬لهذا‭ ‬يظهر‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬بالمغرب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬كوثيقة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تحول‭ ‬استراتيجي‭ ‬عميق،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الرؤية‭ ‬الكبرى‭ ‬للدولة‭ ‬تتقدم‭ ‬بخطى‭ ‬أبطأ‭ ‬من‭ ‬الطموحات‭ ‬المعلنة‭.‬
 
هل‭ ‬يُعدّ‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬أداة‭ ‬فعلية‭ ‬لتنزيل‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أم‭ ‬مجرد‭ ‬وثيقة‭ ‬لتدبير‭ ‬التوازنات‭ ‬الكبرى؟
يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬أداة‭ ‬ذات‭ ‬وجهين‭. ‬
فمن‭ ‬جهة،‭ ‬شكّل‭ ‬إدماج‭ ‬ورش‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والتغطية‭ ‬الصحية‭ ‬الإجبارية‭ ‬حدثاً‭ ‬مفصلياً،‭ ‬إذ‭ ‬أدخل‭ ‬التزاماً‭ ‬مالياً‭ ‬ثابتاً‭ ‬داخل‭ ‬الميزانية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬إحدى‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬كخطاب،‭ ‬بل‭ ‬كمنظومة‭ ‬تمويلية‭ ‬مؤسسة‭. ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬المقاربة‭ ‬المالية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬التحفظ،‭ ‬إذ‭ ‬تُعطي‭ ‬أولوية‭ ‬مطلقة‭ ‬لتقليص‭ ‬العجز،‭ ‬وضبط‭ ‬المديونية،‭ ‬واحترام‭ ‬التوازنات‭ ‬الماكر-واقتصادية‭. ‬
وعندما‭ ‬يتعارض‭ ‬منطق‭ ‬الاستثمار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مع‭ ‬منطق‭ ‬الحسابات‭ ‬المالية،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تنتصر‭ ‬المقاربة‭ ‬الثانية‭. ‬
 
*هل‭ ‬تكفي‭ ‬الاعتمادات‭ 
‬المرصودة‭ ‬فعلاً‭ 
لإحداث‭ ‬تحول‭ ‬اجتماعي‭ ‬هيكلي، ‬أم‭ ‬أنها تبقى في حدود ‬معالجة‭ ‬الأعطاب‭ ‬دون‭ ‬تغيير‭ ‬جذورها؟*
 
هذا‭ ‬سؤال‭ ‬جوهري،‭ ‬على‭ ‬اعتبار أن‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬اجتماعية‭ ‬قوية‭ ‬وسيادية‭ ‬يتطلب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رصد‭ ‬ميزانيات؛‭ ‬يتطلب‭ ‬استعادة‭ ‬الدولة‭ ‬لقوتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬التوجيه‭ ‬والتدخل،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثبت‭ ‬النموذج‭ ‬الليبرالي‭ ‬المحدود‭ ‬أنه‭ ‬يُنتج‭ ‬اختلالات‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومجالية‭ ‬أكثر‭ ‬ممّا‭ ‬يُصححها‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬لميزانية‭ ‬مقيّدة‭ ‬بهشاشة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬أن‭ ‬تموّل‭ ‬سياسة‭ ‬اجتماعية‭ ‬طموحة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬الاستراتيجية‭.‬
وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يصبح‭ ‬تبني‭ ‬نموذج‭ ‬تنموي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭ ‬خياراً‭ ‬استراتيجياً،‭ ‬لأنه‭ ‬وحده‭ ‬الكفيل‭ ‬بخلق‭ ‬موارد‭ ‬جديدة‭ ‬ومستدامة،‭ ‬وتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬الجبايات‭ ‬بطريقة‭ ‬عادلة،‭ ‬وضمان‭ ‬تمويل‭ ‬دائم‭ ‬للدولة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬فبدون‭ ‬اقتصاد‭ ‬حقيقي‭ ‬قوي،‭ ‬سيظل‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬ضبط‭ ‬التوازنات‭ ‬بدل‭ ‬الانحياز‭ ‬الكامل‭ ‬لبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة‭ ‬وإنصافاً‭.‬
 
‬ما‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬على‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة؟‭ ‬وهل‭ ‬يعزز‭ ‬حمايتها‭ ‬أم‭ ‬يثقل‭ ‬كاهلها؟
تُعتبر‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬بمثابة‭ ‬المؤشر‭ ‬الحقيقي‭ ‬لفعالية‭ ‬أي‭ ‬سياسة‭ ‬مالية،‭ ‬لأنها‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬تتحمل‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الضرائب،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تشكّل‭ ‬قاعدة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والاستقرار‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬عرفت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تآكلاً‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬الشرائية‭ ‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬المعيشة‭ ‬وتسجيل‭ ‬زيادات‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬الضرائب‭ ‬غير‭ ‬المباشرة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية،‭ ‬ما‭ ‬دفعها‭ ‬اضطرارياً‭ ‬لتحمل‭ ‬كلفة‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والسكن‭ ‬والنقل‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭.‬
ورغم‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬حملتها‭ ‬قوانين‭ ‬المالية،‭ ‬مثل‭ ‬دعم‭ ‬السكن‭ ‬أو‭ ‬تعديلات‭ ‬في‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬الدخل،‭ ‬فإن‭ ‬أثرها‭ ‬بقي‭ ‬محدوداً‭ ‬وغير‭ ‬كافٍ‭ ‬لعكس‭ ‬مسار‭ ‬تدهور‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭. ‬
فالضغط‭ ‬الأكبر‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬«المحروقات،‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬بعض‭ ‬خدمات‭ ‬الاستهلاك»،‭ ‬وهي‭ ‬ضرائب‭ ‬تُفرض‭ ‬بالتساوي‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬لكنها‭ ‬تُثقل‭ ‬كاهل‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها،‭ ‬باعتبارها‭ ‬فاقدة‭ ‬لامتيازات‭ ‬الأغنياء‭ ‬وعاجزة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة‭.‬
وعليه،‭ ‬تبدو‭ ‬حماية‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬جزئية‭ ‬وغير‭ ‬ممنهجة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬أداة‭ ‬لتوسيع‭ ‬قدرتها‭ ‬الشرائية‭ ‬لا‭ ‬تقليصها،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مجموعة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬عمود‭ ‬فقري‭ ‬لسيادة‭ ‬الدولة‭ ‬اقتصادياً‭ ‬واجتماعيا‭. ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬تُمكّن‭ ‬من‭ ‬بقاء‭ ‬الطلب‭ ‬الداخلي‭ ‬قوياً،‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬الميزانية‭ ‬عبر‭ ‬الضرائب،‭ ‬وتشكل‭ ‬عنصر‭ ‬توازن‭ ‬واستقرار‭ ‬ضروريين‭ ‬لتحقيق‭ ‬التماسك‭ ‬والتضامن‭ ‬الاجتماعي‭. ‬لذا،‭ ‬بغياب‭ ‬سياسة‭ ‬مالية‭ ‬واضحة‭ ‬تعترف‭ ‬بهذه‭ ‬الوظيفة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬سيظل‭ ‬موقع‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬هشاً،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيظل‭ ‬أثر‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬عليها‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الإثقال‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬الحماية‭.‬
 
إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يستجيب‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لأولويات‭ ‬التنمية‭ ‬الترابية‭ ‬مقارنة‭ ‬بتأثير‭ ‬المصالح‭ ‬القطاعية‭ ‬المركزية؟
رغم‭ ‬التقدم‭ ‬المؤسساتي‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ورش‭ ‬الجهوية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المركزية‭ ‬المالية‭ ‬هي‭ ‬الإطار‭ ‬الحاكم‭ ‬للقرار‭ ‬التنموي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭. ‬فالأولويات‭ ‬الترابية‭ ‬تُدرج‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عبر‭ ‬قطاعات‭ ‬وزارية‭ ‬مركزية‭ ‬تمتلك‭ ‬التفوق‭ ‬المالي‭ ‬والأدوات‭ ‬التقنية،‭ ‬بينما‭ ‬تظل‭ ‬البرمجة‭ ‬الجهوية‭ ‬ذات‭ ‬هامش‭ ‬محدود،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المبادرة‭ ‬أو‭ ‬التمويل‭.‬
كما‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬المنتخبين‭ ‬الترابيين‭ ‬يبقى‭ ‬محدوداً‭ ‬مقارنة‭ ‬بنفوذ‭ ‬الوزارات‭ ‬والقطاعات‭ ‬التي‭ ‬تُهيمن‭ ‬عليها‭ ‬مصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬وإدارية‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مناقشة‭ ‬قضايا‭ ‬التنمية‭ ‬محلياً‭ ‬بينما‭ ‬تُحسم‭ ‬في‭ ‬الأخير‭ ‬مركزياً‭. ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬تظل‭ ‬تعبئة‭ ‬الموارد‭ ‬الذاتية‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬ضعيفة‭ ‬ولا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬المهام‭ ‬الجديدة‭ ‬الموكولة‭ ‬إليها،‭ ‬مما‭ ‬يقيد‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية‭ ‬ومستدامة‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يبرز‭ ‬اقتراح‭ ‬التحول‭ ‬نحو‭ ‬قانون‭ ‬مالية‭ ‬جهوي‭ ‬-‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬ينبثق‭ ‬القانون‭ ‬المالي‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬رؤى‭ ‬مالية‭ ‬جهوية،‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭ ‬-‭ ‬كفكرة‭ ‬ذات‭ ‬سند‭ ‬نظري‭ ‬قوي‭ ‬وتتوافق‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للمغرب‭. ‬وهو‭ ‬مقترح‭ ‬ليس‭ ‬لاعقلاني‭ ‬ولامنطقي،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬مُطبق‭ ‬بصيغ‭ ‬متنوعة‭ ‬ومختلفة‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬تتبنى‭ ‬نماذج‭ ‬مالية‭ ‬متعددة‭ ‬المستويات،‭ ‬مثل‭ ‬إسبانيا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬وكندا،‭ ‬وغيرها‭.‬
تُؤكد‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬الدولية‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬الجهوي‭ ‬يمثل‭ ‬مرحلة‭ ‬تطورية‭ ‬طبيعية‭ ‬نحو‭ ‬لامركزية‭ ‬مالية‭ ‬حقيقية،‭ ‬تُمكّن‭ ‬الجهات‭ ‬من:‭ ‬برمجة‭ ‬إنفاقها‭ ‬وفقاً‭ ‬لاحتياجاتها‭ ‬الواقعية،‭ ‬خلق‭ ‬موارد‭ ‬محلية‭ ‬وتوسيع‭ ‬القاعدة‭ ‬الضريبية‭ ‬الترابية،‭ ‬تعزيز‭ ‬استقلاليتها‭ ‬عن‭ ‬المركز،‭ ‬وضمان‭ ‬عدالة‭ ‬مجالية‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربط‭ ‬التمويل‭ ‬بمعايير‭ ‬مثل‭ ‬الهشاشة‭ ‬والفقر‭ ‬والاحتياجات‭ ‬السوسيو-اقتصادية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬رهين‭ ‬بتوفر‭ ‬شروط‭ ‬بنيوية،‭ ‬أبرزها:‭ ‬بناء‭ ‬قدرات‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬الحكامة،‭ ‬تطبيق‭ ‬الشفافية‭ ‬المالية،‭ ‬تنمية‭ ‬الموارد‭ ‬الضريبية‭ ‬الذاتية،‭ ‬وإرساء‭ ‬آلية‭ ‬للتضامن‭ ‬المالي‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬اتساع‭ ‬الفوارق‭ ‬المجالية‭. ‬أي‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬للجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬المعتمد‭ ‬حاليا‭. ‬
 
‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬ينجح‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية؟
لا‭ ‬تُقاس‭ ‬عدالة‭ ‬التوزيع‭ ‬المجالي‭  ‬بالتصريحات،‭ ‬والسياسات‭ ‬العامة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬بالتوزيع‭ ‬الفعلي‭ ‬للاستثمارات‭ ‬العمومية‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬جهات‭ ‬البلاد‭. ‬
ورغم‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة،‭ ‬تُظهر‭ ‬الخريطة‭ ‬الاستثمارية‭ ‬الحالية‭ ‬تفاوتاً‭ ‬واضحاً،‭ ‬حيث‭ ‬تستأثر‭ ‬المناطق‭ ‬الأكثر‭ ‬دينامية‭ ‬اقتصادياً‭ ‬بحصة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية،‭ ‬مما‭ ‬يعمق‭ ‬الفجوة‭ ‬التنموية‭ ‬بين‭ ‬الجهات،‭ ‬بينما‭ ‬تقتضي‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬اعتماد‭ ‬معايير‭ ‬موضوعية‭ ‬وشفافة‭ ‬في‭ ‬تخصيص‭ ‬الموارد‭ ‬«مثل‭ ‬مؤشرات‭ ‬الفقر‭ ‬والهشاشة‭ ‬الاجتماعية؛‭ ‬مستوى‭ ‬نقص‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الأساسية؛‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية،‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحفيز‭ ‬قابلية‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الأقل‭ ‬نمواً»؛‭ ‬وهي‭ ‬معايير‭ ‬لا‭ ‬تنعكس‭ ‬دائماً‭ ‬بشكل‭ ‬منهجي‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الاعتمادات‭ ‬المالية‭ ‬عبر‭ ‬بنود‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭.‬
وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تكتسي‭ ‬التوجيهات‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬أعاد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬تأكيدها‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬العرش‭ ‬لسنة‭ ‬2025‭ ‬بأهمية‭ ‬بالغة،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬«لا‭ ‬مكان‭ ‬اليوم‭ ‬ولا‭ ‬غدًا‭ ‬لمغرب‭ ‬يسير‭ ‬بسرعتين»،‭ ‬أي‭ ‬ضرورة‭ ‬تحقيق‭ ‬تنمية‭ ‬بسرعة‭ ‬واحدة‭ ‬وتمكين‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬ترابي‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬تنميته‭ ‬المحلية‭. ‬ويُفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬الأداة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لترجمة‭ ‬هذه‭ ‬الإرادة‭ ‬إلى‭ ‬برامج‭ ‬ملموسة‭.‬
وما‭ ‬تؤكده‭ ‬الحركات‭ ‬الاحتجاجية،‭ ‬التي‭ ‬تبنّاها‭ ‬جيل‭ ‬Z‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬المغرب،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬ترفاً‭ ‬فكرياً‭ ‬أو‭ ‬شعاراً‭ ‬نخبوياً،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬لبناء‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬عادلة‭. ‬فالتنمية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المواطن(ة)‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬أينما‭ ‬وجد،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الجبل‭ ‬أو‭ ‬القرية‭ ‬أو‭ ‬الواحة‭ ‬أو‭ ‬المدينة‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬نجاح‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬يُقاس‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬التوجهات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬إلى‭ ‬توزيع‭ ‬عادل‭ ‬للموارد،‭ ‬يضمن‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬وتنمية‭ ‬المجال‭ ‬الترابي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ربوع‭ ‬البلاد‭.‬