طارق الصنهاجي: القانون الجديد لهيئات التوظيف الجماعي يشكل منعطفا حاسما في مسار تمويل الاقتصاد الوطني

طارق الصنهاجي: القانون الجديد لهيئات التوظيف الجماعي يشكل منعطفا حاسما في مسار تمويل الاقتصاد الوطني طارق الصنهاجي، رئيس الهيئة المغربية لسوق الرساميل
تُعدّ المصادقة على القانون الجديد 03.25 لهيئات التوظيف الجماعي لحظة فارقة في مسار تطور هذا القطاع الحيوي. فقد جاء هذا المستجد التشريعي ليعيد صياغة الإطار القانوني الذي رافق انطلاقة هيئات التوظيف الجماعي منذ أول إصلاح لسوق الرساميل سنة 1993.
 
وفي هذا السياق، شكّل مؤتمر جمعية شركات التسيير وصناديق الاستثمار المغربية "ASFIM" محطة مناسبة لاستحضار هذه التحولات، كما عبّر عن ذلك طارق الصنهاجي، رئيس الهيئة المغربية لسوق الرساميل، خلال أشغال الدورة المنعقدة يوم 13 نونبر 2025 بالرباط،  تحت شعار "أفق 2030: تعبئة الادخار الوطني لتمويل المشاريع الكبرى للغد".
 
وانطلاقاً من هذا الحدث، أعاد الصنهاجي التذكير بالمسار الطويل الذي قطعه القطاع. منذ بزوغ أولى الهيئات في سنة 1995، حين بادرت خمسة بنوك مغربية إلى إحداث شركات للتدبير قدّمت للمستثمرين أدوات مالية تجمع بين المرونة والسيولة والتدبير المهني الخاضع للرقابة. ومع هذه الانطلاقة، أصبح بإمكان الزبناء الاكتتاب بسهولة في محافظ الأسهم والسندات، سواء عبر الوكالات البنكية أو مباشرة لدى شركات تدبير الأصول، مع إمكانية تحويل توظيفاتهم في أي وقت استناداً إلى قيمتها السوقية المنشورة بانتظام وبشفافية.
 
ولم يتأخر توسّع القطاع كثيراً، إذ عرف سنة 1996 ميلاد أول شركة تدبير مستقلة، ليرتفع العدد إلى ثمانية شركات، رغم أن حجم الأصول ظل متواضعاً في حدود 3 مليارات درهم. غير أن السوق شهدت طفرة حقيقية منذ 1997، بلغت ذروتها سنة 2006 بوصول الأصول إلى 100 مليار درهم، قبل أن يواصل القطاع مساره التصاعدي إلى أن بلغ اليوم 790 مليار درهم، مع دور متنامٍ في تمويل الاقتصاد الوطني.
وفي هذا الإطار، أبرز الصنهاجي أن هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة أصبحت تشكّل قناة رئيسية للتمويل المباشر للبلاد، ففي نهاية شتنبر 2025، بلغت حصتها حوالي 40% من الجاري الإجمالي لسندات الخزينة المتداولة.
 
كما أن هذه الهيئات تساهم بشكل فعّال في تمويل البنيات التحتية العمومية والخاصة، حيث تحوز 28% من جاري سندات قرض تمويل قطاع الطرق السيارة والسكك الحديدية، و47% بالنسبة لقطاع الموانئ، و69% بالنسبة لقطاع النقل الجوي، و80% بالنسبة للماء والكهرباء، وإلى غاية 88% بالنسبة لقطاع الاتصالات.
 
كما أن لهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة أثرا بارزا أيضا في سوق البورصة. فهي تمتلك 43% من الرسملة العائمة الإجمالية للبورصة، وتمثل 37% من حجم التداولات اليومية في السوق المركزية في سنة 2025.
 
وانطلاقاً من هذه المؤشرات، اعتبر الصنهاجي أنّ القانون الجديد يشكل منعطفا جديدا في مسار القطاع. فمن خلال تمهيد الطريق أمام فئات جديدة من المنتجات، وفر القانون الجديد إطارا مُعاداً إصلاحه وتحديثه وأعطى زخما جديدا للنمو والابتكار.
 
وبالتالي، فإن "الصناديق المتداولة في البورصة" و" هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة التشاركية" من شأنها أن تمكن من مضاعفة الجهود الرامية إلى دمقرطة سوق الرساميل وسط المستثمرين والأفراد. بحصة 8,2% من الأصول المسيرة، لا زال هناك هامش كبير يمكن استغلاله، خصوصا في ظرفية تتسم بقيام هؤلاء المستثمرين بزيادة مساهمتهم في سوق البورصة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، حيث تمت مضاعفتها 4 مرات. ويمثل ذلك نقطة تحول حقيقية في تعبئة ادخار الأفراد، وفي توطيد الانخراط الاجتماعي في رهانات الاقتصاد المغربي الكبرى.
 
من خلال إدخال عدة مستجدات أخرى، من قبيل هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة ذات قواعد تسيير مخففة (RFA)، وهيئات التوظيف المحررة حصصها أو أسهمها بعملات أجنبية، إضافة إلى توسيع نطاق الاستثمار ليشمل سندات هيئات التوظيف الجماعي العقاري (OPCI) وكذلك المشتقات المالية، يوضح الصنهاجي، سيفتح القانون الجديد آفاقا جديدة أمام استراتيجيات استثمار مبتكرة، وسيمكن من الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات المستثمرين المؤسساتيين.
 
وفي المقابل، ستُطالَب شركات التدبير بالالتزام بقواعد أكثر صرامة لحماية المستثمرين وتعزيز قدراتها في تتبع المخاطر التشغيلية والاستثمارية، بما ينسجم مع رؤية الهيئة التنظيمية لبناء سوق رساميل قوية وفعالة وشاملة.
 
ويأتي هذا التوجه، كما أكد الصنهاجي، انسجاماً مع الرؤية الملكية التي جعلت من الاستثمار المنتج رافعة أساسية للتنمية المستدامة. فالمغرب انخرط منذ عقود في ورش استثماري استثنائي، موازاةً مع تطوير منظومة مالية مرنة تربط بين حاجيات الاقتصاد الحقيقي والأدوات المالية الحديثة.
 
وبفضل هذا المسار، تمكنت المملكة من بناء منظومة متكاملة لتدبير الأصول تشكل اليوم إحدى أهم قنوات تعبئة الادخار وتمويل المشاريع، مما يعزز مكانة القطاع كقاطرة استراتيجية للتنمية. وتبدو آفاق المستقبل واعدة، سواء على صعيد تمويل الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، أو تعزيز ريادة المغرب كمركز مالي إفريقي رائد، أو استغلال فرص الرقمنة والتكنولوجية المالية ، بما يتيح مشاركة أوسع للشباب وجهات المملكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا. 
 
واختتم الصنهاجي كلمته بالتأكيد على الطموح المشترك لجعل سوق الرساميل المغربية أداة للسيادة والشمول والازدهار المشترك للأجيال القادمة، في لحظة تتزامن مع دخول القانون الجديد حيز التنفيذ ومع احتفال المغاربة بوحدتهم الوطنية من طنجة إلى الكويرة.