جمال بندحمان: ضعف الخطاب البرلماني يُشوّه صورة البلاد ويهزّ الثقة الشعبية

جمال بندحمان: ضعف الخطاب البرلماني يُشوّه صورة البلاد ويهزّ الثقة الشعبية جمال بندحمان، أستاذ التعليم العالي تخصص تحليل الخطاب
يشكّل‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي،‭ ‬خصوصاً‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التشريعية،‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المؤشرات‭ ‬على‭ ‬نضج‭ ‬الحياة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وفعالية‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يشهد‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬انزلاقات‭ ‬لغوية،‭ ‬وتواصلية‭ ‬تُفرغ‭ ‬العمل‭ ‬التشريعي‭ ‬من‭ ‬قيمته،‭ ‬وتؤثر‭ ‬في‭ ‬ثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬المنتخبة‭. ‬
في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يقدّم‭ ‬الدكتور‭ ‬جمال‭ ‬بندحمان،‭ ‬أستاذ‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬تخصص‭ ‬تحليل‭ ‬الخطاب،‭ ‬قراءة‭ ‬معمّقة‭ ‬لأسباب‭ ‬انتشار‭ ‬خرجات‭ ‬السياسيين‭ ‬غير‭ ‬المسؤولة،‭ ‬خصوصا‭ ‬البرلمانيين،‭ ‬ويناقش‭ ‬تداعياته‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬داخلياً‭ ‬وخارجياً،‭ ‬كما‭ ‬يسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تأهيل‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬واعتماد‭ ‬علوم‭ ‬التواصل‭ ‬لضمان‭ ‬ارتقاء‭ ‬الأداء‭ ‬البرلماني

ما‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬برلمانياً‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬خطاب‭ ‬أو‭ ‬تصريح‭ ‬مبتدل‭ ‬غير‭ ‬مسؤول؟
لفهم‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬استحضار‭ ‬الخلفيات‭ ‬المؤطرة‭ ‬لمنتجي‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المستوى‭ ‬المعرفي،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬المعرفة‭ ‬بأدبيات‭ ‬التواصل‭ ‬ومرجعياته،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬الفهم‭ ‬العميق‭ ‬لكيفية‭ ‬إنتاج‭ ‬الخطاب‭ ‬واستحضار‭ ‬شروطه‭ ‬السياقية‭ ‬وضبط‭ ‬لغته‭. ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬المفتقد‭ ‬لهذه‭ ‬المحددات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬خطابا‭ ‬عقلانيا‭ ‬وشفافا‭ ‬وقابلا‭ ‬للاستيعاب،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬مع‭ ‬افتقاد‭ ‬هذه‭ ‬المحددات‭ ‬يفتقد‭ ‬معها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬الخطاب،‭ ‬فيعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬مهم،‭ ‬وأن‭ ‬كلامه‭ ‬مفيد‭ ‬للبلاد‭ ‬والعباد‭. ‬والحال‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬كلاما‭ ‬سوقيا‭ ‬وخارج‭ ‬السياق،‭ ‬وفاقدا‭ ‬للمعنى‭ ‬وللقيمة‭ ‬السياسية‭. ‬
لذلك‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬صاحبه‭ ‬وضع‭ ‬مصفاة‭ ‬بين‭ ‬الذهن‭ ‬والفم،‭ ‬والوعي‭ ‬بشروط‭ ‬إنتاج‭ ‬الخطابات،‭ ‬واستحضار‭ ‬مآلاتها‭ ‬وكيفية‭ ‬تلقيها،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬المزاجية،‭ ‬وإطلاق‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬عواهنه‭. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬يتطلب‭ ‬ضرورة‭ ‬تأهيل‭ ‬من‭ ‬يتحملون‭ ‬المسؤولية‭ ‬البرلمانية‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تفيد‭ ‬به‭ ‬علوم‭ ‬التواصل،‭ ‬ونظريات‭ ‬إنتاج‭ ‬الخطاب‭.‬
 
ما‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬تصريحات‭ ‬السياسيين‭ ‬اللامسؤولة‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التشريعية؟
لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الخطابات‭ ‬اللامسؤولة‭ ‬تنتج‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬سلبي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المواطنين،‭ ‬وتخلق‭ ‬تمثلا‭ ‬غير‭ ‬إيجابي‭ ‬عن‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬وأدوارها؛‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يترسخ‭ ‬في‭ ‬الأذهان‭ ‬هو‭ ‬الزلات‭ ‬التواصلية‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬المعطيات،‭ ‬والضعف‭ ‬اللغوي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحديث‭ ‬بعامية‭ ‬بليغة‭ ‬مقبولة،‭ ‬والكلام‭ ‬خارج‭ ‬السياق‭. ‬وللأسف‭ ‬فإن‭ ‬المواطن‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬معرفة‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات،‭ ‬لكنه‭ ‬يحكم‭ ‬عليها‭ ‬بما‭ ‬يرى‭ ‬ويسمع،‭ ‬فيحدد‭ ‬قيمة‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬وأدوارها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يصله‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬فيبدو‭ ‬له‭ ‬عملها‭ ‬كُلْفَةً‭ ‬زائدة،‭ ‬وتضييعا‭ ‬للمال‭ ‬العام،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬أسس‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ومرتكزاتها‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الحكم‭ ‬بلا‭ ‬جدوى‭ ‬الانتخابات،‭ ‬بل‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬المؤسسات‭ ‬المترتبة‭ ‬عنها‭.‬
 
كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الخرجات‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي؟
ظاهريا،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬انعكاس‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الاستقرارين‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬تأثيرا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬صلة‭ ‬بهما‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدستور‭ ‬أولى‭ ‬للمؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬أدوارا‭ ‬مهمة‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القرارات‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬انعكاسات‭ ‬مجتمعية‭ ‬وسياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الفاعلين‭ ‬فيها‭ ‬الوعي‭ ‬التام‭ ‬بقيمة‭ ‬مهامهم‭ ‬وقراراتهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الانعكاسات‭ ‬السلبية‭ ‬تسري‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات؛‭ ‬لأن‭ ‬صورة‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬تنسحب‭ ‬عليها،‭ ‬وبشكل‭ ‬أعمق‭ ‬فإن‭ ‬الانعكاسات‭ ‬السلبية‭ ‬تمس‭ ‬جوهر‭ ‬العملية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬الانتخابات‭ ‬الحرة،‭ ‬والنزيهة‭ ‬أداتها‭ ‬الأولى‭.‬
 
وهل‭ ‬تؤثر‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬البلاد‭ ‬خارجياً؟
من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الخطابات‭ ‬غير‭ ‬المحبوكة‭ ‬لغويا،‭ ‬وغير‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬متينة‭ ‬تستحضر‭ ‬آليات‭ ‬التواصل‭ ‬وطرقه،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬المتلقي،‭ ‬ولا‭ ‬تستوعب‭ ‬السياق‭ ‬جيدا،‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬البلاد‭ ‬خارجيا،‭ ‬فالعالم‭ ‬اليوم‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬بإمكانه‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البلدان،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬صورة‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬مترتبة‭ ‬عن‭ ‬صيغة‭ ‬خطاب‭ ‬سياسييه‭ ‬عموما‭ ‬وضمنهم‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬اليوم‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬ديبلوماسيات‭ ‬موازية‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬صلبها‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬والفاعلين‭ ‬فيها،‭ ‬ولذلك‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬نضج‭ ‬الخطاب‭ ‬قويا‭ ‬وشفافا‭ ‬وصريحا‭ ‬وصادقا،‭ ‬فإنه‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬إيجابا‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬البلاد‭ ‬خارجيا،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬يخل‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬ويجعل‭ ‬البلاد‭ ‬تبدو‭ ‬بدون‭ ‬نخب‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية،‭ ‬وكأنها‭ ‬تمارس‭ ‬التشريع‭ ‬بالهواية‭ ‬فقط‭.‬