بقلم: الدكتور أنورالشرقاوي، خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي
كيف نحمي أشبالنا من دوار المجد قبل عام 2030
إنهم ما زالوا مراهقين، بالكاد خرجوا من ملاعب الأكاديميات أو من فرق الدرجة الثانية في الأندية الأوروبية، وإذا بهم اليوم أبطال العالم لأقل من 20 سنة، يُحتفى بهم من قبل الملايين في العوالم الواقعية والافتراضية على حد سواء.
لقد تغيّرت حياتهم في غضون أسابيع قليلة.
شهرة، أضواء، أموال، ووعود بمسيرة لامعة.
لكن هذا الصعود السريع قد يهدد توازنهم النفسي الداخلي.
ففي سن الثامنة عشرة، يظل الدماغ العاطفي هو المسيطر على القرارات.
وكما يؤكد عالم النفس العصبي بوريس سيرولنيك، تبقى مرحلة المراهقة فترة بناء للهوية، مما يجعل الأبطال الشباب أكثر عرضة لدوار النجاح ومخاطره.
تاريخ كرة القدم مليء بالنجوم الذين احترقوا باكراً
أدريانو انهار بعد مآسٍ شخصية،
ماريو بالوتيلي ضاع بين التهور والمبالغة،
حاتم بن عرفة عجز عن تحويل موهبته إلى استمرارية،
بول غاسكوين سقط في فخ الكحول،
ورونالدينيو، ابتسامة كرة القدم سابقاً، غارق اليوم في مشاكل مالية وقضائية.
كلها قصص تؤكد أن الموهبة وحدها لا تكفي.
يقول عالم النفس الرياضي توماس فوسيت:
“ النجاح المبكر صدمة هوية؛ إذا لم يعرف اللاعب من هو خارج كرة القدم، فلن يعرف من هو داخلها.”
المغرب بين المجد الحالي ورهان 2030
الرهان المغربي لا يقف عند الميداليات الذهبية، بل يتجه نحو كأس العالم 2030 التي ستُقام على أرض الوطن.
فهؤلاء الشباب، بعد ست سنوات فقط، يجب أن يصبحوا قادة المنتخب الوطني.
وحمايتهم اليوم هي ضمان نضجهم غداً.
ذلك يتطلب منظومة متكاملة تشمل الدعم النفسي، والإشراف الإنساني، والإدارة الحكيمة للمسيرة الرياضية.
الصحة النفسية: حجر الأساس لكل إنجاز
يلعب الطاقم الطبي دوراً محورياً في هذه المعادلة.
فالطبيب النفسي الفرنسي كريستوف أندريه يذكّر دائماً بأن “ لا وجود لأداء مستدام دون توازن نفسي.”
وعلى علماء النفس الرياضي في المغرب أن يرافقوا هؤلاء الشباب في التعامل مع الشهرة، والمال، وضغوط وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يرصدوا مبكراً علامات القلق أو الاكتئاب.
الاستماع، السرية، والمتابعة المنتظمة هي أسلحة فعالة لتجنب الاحتراق النفسي أو الإدمان.
المدرّب ليس فقط صانع نتائج، بل مربٍّ للأبطال
مسؤولية المدرّب وجهازه الفني لا تقتصر على إعداد اللاعبين تقنياً، بل تمتد إلى تكوين شخصيات متوازنة.
فالكلمة العادلة، والرؤية التربوية، وروح الجماعة، كلها أدوات تقي من الغرور والصراعات الداخلية التي أطفأت شعلة كثير من المواهب.
الاحتراف فخّ النجاح السريع
على الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والإدارة الرياضية أن تشكّل جدار حماية.
فالشركات الراعية، ووسائل الإعلام، والعقود التجارية، وشبكات النفوذ يمكن أن تتحول إلى مصائد.
من هنا تأتي ضرورة وضع ضوابط صارمة لإدارة الموارد المالية والعلاقات العامة.
النجاح الحقيقي: سلالم لا مصاعد
يقول خبير في ريال مدريد:
“ النجاح ليس مصعداً سريعاً، بل سلّماً يجب صعوده خطوة بخطوة .”
الصبر، والعمل اليومي، والتواضع الإعلامي، وحسن إدارة المال هي القيم التي تصنع الأبطال الكبار.
أما العائلة، فهي الدرع الأول.
يجب أن تكون مصدر دعم واستقرار، لا وسيلة استغلال لنجاح الولد، لأن الطمع العائلي كان سبب سقوط كثير من النجوم.
الطريق إلى المجد الحقيقي
أن تصبح بطلاً للعالم في سن الثامنة عشرة نعمة نادرة.
لكن الحفاظ على هذا المجد وتحويله إلى مسيرة عظيمة هو التحدي الحقيقي.
يمتلك المغرب اليوم جيلاً استثنائياً،
ولكي يبقى استثنائياً غداً، يجب حمايته من نفسه ومن محيطه.
فالمعركة القادمة لن تُحسم فقط على المستطيل الأخضر،
بل في الكواليس، والاختيارات الحياتية، وصلابة الذهن.
كأس العالم 2030 ليست مجرد موعد رياضي،
بل موعد مع التاريخ.
والحلم قريب،
لكن الشرط الوحيد لتحقيقه هو أن يبقى لاعبونا رؤوسهم باردة وقلوبهم مغربية نابضة بالعقل والحكمة.