حسن عبد الخالق: قرار مجلس الأمن يرسخ الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية..انتصار لمنطق الوحدة على وهم الانفصال

حسن عبد الخالق: قرار مجلس الأمن يرسخ الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية..انتصار لمنطق الوحدة على وهم الانفصال حسن عبد الخالق
لم يحدث في تاريخ اجتماعات مجلس الأمن للأمم المتحدة  منذ معالجته قضية الصحراء قبل نصف قرن ،أن تابع المغاربة جلسة اعتماد قرار يتعلق بهذه القضية، مثل ما حدث مساء الجمعة (31 أكتوبر2025)،حين انشغلت هواتفهم وتدويناتهم في منصات التواصل الاجتماعي بالتعبير عن الفرح والتبريك، لاعتراف الأمم المتحدة، أخيرا بحق المغرب الثابت وغير القابل للتصرف في تأكيد سيادته على الصحراء المسترجعة من الاستعمار الإسباني، بترسيخ مجلس الأمن مبادرة الحكم الذاتي أساسا لحل النزاع الإقليمي المفتعل في المنطقة.
 
وانتصر مجلس الأمن بقراره الجديد للشرعية الدولية ( القرار 2797)، بتأكيده منطق الوحدة على وهم الانفصال وهذا ما كان المغرب يطالب به ،منذ تسجيل قضية الصحراء في الأمم المتحدة في 1963 . 
 
ثمرة العمل الدبلوماسي لجلالة الملك
وجاء القرار ثمرة للعمل الدبلوماسي الذي قاده جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش لتحصين وحدة المغرب  الترابية، عملا  بخطابه في مدينة العيون في 6 مارس 2002 ،الذي أكد فيه أن "حفيد جلالة الملك المحرر محمد الخامس ووارث سر جلالة الملك الموحد الحسن الثاني قدس الله روحيهما والمؤتمن دستوريا على وحدة المغرب ليعلن باسمه واسم جميع المواطنين أن المغرب لن يتنازل عن شبر واحد من تراب صحرائه غير القابل للتصرف أو التقسيم".
 
وأسس مجلس  الأمن قراره الذي يكرس فيه اقتراح الحكم الذاتي المغربي المقدم منذ سنة 2007، على الدعم الذي يحظى به هذا الاقتراح من أكثر من 120 دولة في العالم، متجاهلا في الوقت نفسه ما يسمى المقترح الموسع الذي تقدم به البوليساريو إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 20 أكتوبر المنصرم، بإيعاز من السلطات الجزائرية ،وكان مجرد إعادة إنتاج للمقترح الذي تم تقديمه في 2007، في محاولة يائسة للالتفاف على المبادرة المغربية.
 
الحل في إطار السيادة المغربية
وأورد المجلس الأممي عبارة "الحكم الذاتي" ست مرات في القرار، بما أكد سموها لإيجاد الحل السياسي المرتقب، في ضوء  تعبيره  عن دعمه الكامل للأمين العام ولمبعوثه الشخصي في تسهيل وإجراء المفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، مرجحا في الوقت نفسه "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بصفته الأكثر قابلية للتطبيق"، على أية اقتراحات أخرى.
 
ودعا المجلس في هذا القرار الأطراف إلى الانخراط في هذه المفاوضات دون شروط مسبقة، على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين يضمن تقرير المصير، معتبرا الجزائر بصفتها طرفا في المشاورات التي سيواصلها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحد ستيفان دي ميستورا لتنفيذ القرار الأممي والبحث عن الحل السياسي. 

الحكم الذاتي صيغة لتقرير المصير
ورغم  تمديده ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة إلى31 أكتوبر 2026، عبر مجلس الأمن في هذه المرة ضمنيا عن نفاذ صبر المنتظم الدولي من إطالة أمد النزاع المفتعل في المنطقة ، بتوظيف التمديد  لانخراط الأطراف بسرعة وبجدية في المفاوضات ،التي ستكون أطوارها محل متابعة ،مطالبا الأمين العام للأمم المتحدة بأن يقدم له خلال ستة أشهر من تجديد الولاية، مراجعة استراتيجية بشأن مستقبل بعثة المينورسو، آخذًا في الاعتبار نتائج المفاوضات و أن يقدم إحاطات منتظمة إلى المجلس في أي وقت يراه مناسباً خلال فترة الولاية. 

ويستخلص من القرار الجديد للمجلس أن الحكم الذاتي ، الذي سيكون أساس المفاوضات هو صيغة لتقرير المصير ،علما أن هذا المبدإ وارد في مبادرة الحكم الذاتي المقدمة من بلادنا التي تنص في مادتها 27 على أن" یكون نظام الحكم الذاتي للجھة موضوع تفاوض،  ویطرح على السكان المعنیین بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة دیمقراطیة.  ویعد ھذا الاستفتاء، طبقاً للشرعیة  الدولیة  ومیثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعیة العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن ھؤلاء السكان، لحقھم في  تقریر المصیر". 

الجزائرأمام شرعية دولية لا تتجزأ
ولتيسير الحل المرتقب في المفاوضات، تتجه الأنظار بالطبع  إلى الجزائر ،التي كانت منذ أكثر من نصف قرن الطرف الأساسي في هذا  النزاع الإقليمي وهي التي لا تزال تتحكم في انفصاليي البوليساريو ،الذين لا يملكون أي قرار مستقل في البحث عن التسوية النهائية للنزاع .

ومن المفروض أن يغلب النظام الجزائري جانب الحكمة والتعقل ويستخلص النتائج  من خمسين سنة من النزاع المفتعل ،التي  اندحر فيها مخططه  لتفتيت وحدة المغرب الترابية وأن يدرك أن  القرار الأخير الذي صادق عليه مجلس الأمن هو من صلب الشرعية الدولية وأن هذه الشرعية كل لا يتجزأ وأن يبادر إلى الانخراط  في تنفيذ القرار الأخير لمجلس الأمن  ويساهم في طي النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وعلى الأشقاء الجزائريين أن يدركوا أيضا أن القرار الجديد لمجلس الأمن، الذي يعتبر الحكم الذاتي صيغة لتقرير المصير، يستوعب القرارات 1514 و1541(1960) و2625(1970) للجمعية العامة للأمم المتحدة ،المؤسسة لحق تقرير المصير، لأن الحكم الذاتي المتفق عليه في إطار السيادة المغربية، سيقترن باستفتاء ساكنة الصحراء عليه، تجسيدا للحق في تقرير المصير ويوفر لها تدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا .

اليد المغربية الممدودة وحل لاغالب ولا مغلوب
ويضمن الحكم الذاتي  في قرار مجلس الأم الحل الذي سعت إليه الأمم المتحدة  دائما ، في إطار"لا غالب ولا مغلوب" و"ليس للفائز كل الغنيمة" ويحفظ ماء وجه جميع الأطراف.
والمؤكد أنه لو لم تكن الجزائر ،لما كانت هناك قضية الصحراء، التي كان من المفترض أن تكون نقطة نهايتها في بداية 1976، باسترجاع المنطقة إلى المغرب من الاستعمار الإسباني.

والمؤسف أن نصف قرن مضى على افتعال النظام الجزائري هذه القضية طمعا في تفتيت وحدة المغرب الترابية، بإيوائه  انفصاليي البوليساريو وتمويلهم وتسليحهم ليكونوا وقودا في حرب خاسرة.

وسعى النظام إلى تصعيد عدائه ضد المغرب ووحدته الترابية، بقراره  من جانب واحد إغلاق الحدود البرية في صيف 1994، وصولا إلى قراره قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في غشت 2021، مع منعه الطائرات المغربية أو المسجلة في المغرب من التحليق في الأجواء الجزائرية ووقفه العمل بخط أنبوب الغاز الذي يعبر المغرب في اتجاه أوروبا، فضلا عن فرضه تأشيرة الدخول على المواطنين المغاربة.

وتسامى المغرب دائما على كل ما تعرض له من البلد الجار،مؤكدا من موقع الاقتدار إرادته في احتواء التوتر في علاقات البلدين و حرص جلالة الملك محمد السادس منذ سنوات على مد اليد للأشقاء في الجزائر، معربا في خطابه الأخير في ذكرى عيد العرش عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول، حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين، وأكد أن" التزامه الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر، نابع من إيمانه بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويا، على تجاوز هذا الوضع المؤسف"، كما جدد تمسك بلادنا باتحاد المغرب العربي، الذي لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة. 

ويبقى الأمل قائما في أن يلاقي الأشقاء في الجزائر اليد المغربية الممدودة، لإنهاء النزاع المفتعل في المنطقة والتوجه إلى بناء علاقات ثنائية سليمة لخدمة مصالح البلدين الجارين وقدرتهما على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ومساهمتهما في بناء الاتحاد المغاربي على أسس صلبة.

السياق الدولي للقرار الأممي
لقد صدر القرار الأخير لمجلس الأمن في سياق  دولي  اندرج فيه اعتراف أكثر من 120 دولة بمبادرة الحكم الذاتي  واندحار المشروع الانفصالي واعتراف العالم بمكانة المغرب وموقعه في ظل التحولات الجيوسياسية وموازين القوى في  المنطقة.

وجاء هذا الدعم المتزايد لوحدة المغرب الترابية بفضل سياسة الخارجية التي أرساها جلالة الملك محمد السادس، القائمة على خدمة أوفاق السلم وتعزيز التعاون جنوب جنوب وجعل المغرب شريكا موثوقا به في علاقاته الدولية .

وفي هذا الشأن أظهرت مبادرة جلالة الملك الرامية إلى منح البلدان في منطقة الساحل منفذا على المحيط الأطلسي ، حرصه الدائم على تعزيز ارتباط المملكة بعمقها الإفريقي ووحدة إفريقيا وازدهارها وتمكين دول الساحل من آفاق أرحب لتعزيز تنميتها الاقتصادية والاجتماعية .

وجاء القرار في سياق  رؤية المغرب إلى الأمن والاستقرار والتنمية ،بدعوته إلى  تعزيز التعاون بين الدول المشاطئة للمحيط الأطلسي وإطلاق مبادرة البلدان الإفريقية الأطلسية الـ 23 في سنة 2009 وإطلاق مشروع خط أنابيب الغاز المغرب – نيجيريا، الذي يرتقب أن تستفيد منه بشكل كبير البلدان الإفريقية 12 التي سيعبرها، بالإضافة إلى بلدان القارة الأوروبية، فضلا عن تعزيز التعاون بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وتعزيزه الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في إطار ضمان الأمن والاستقرار لضفتي البحر الأبيض المتوسط. 

والمؤكد أن صدور القرار الأممي  الجديد بقدر ما يدعو إلى الارتياح، فإن بلورته في مفاوضات محتملة تحت إشراف الأمم المتحدة، تستدعى من بلادنا المزيد من التعبئة واستنهاض قدراتها، لطي النزاع المفتعل بتثبيت السيادة الوطنية في الصحراء في ظل الشرعية الدولية.
 
حسن عبد الخالق، سفير سابق