المصطفى عبدوس: المنظومة التربوية ورهانات الذكاء الاصطناعي

المصطفى عبدوس: المنظومة التربوية ورهانات الذكاء الاصطناعي المصطفى عبدوس
يعيش العالم المعاصر على وقع طفرة تكنولوجية غير مسبوقة، قادها الذكاء الاصطناعي، الذي غير ملامح الحياة في مختلف المجالات، ومن بينها مجال التربية والتعليم، حيث فرضت هذه الثورة التكنولوجية واقعا جديدا يضع المنظومة التربوية في مواجهة تحديات عميقة ومركبة وإشكالات جوهرية؛ مرتبطة بمدى قدرتها على مواكبة ومسايرة التطورات المتسارعة لهذا المستجد التكنولوجي، الذي يفرض عليها التكيف معه.

فإلى أي حد يمكن استثمار الذكاء الاصطناعي في المنظومة التربوية لتجويد العملية التعليمية التعلمية وتطويرها دون المساس بالقيم الإنسانية؟  
 
تعد المنظومة التربوية بنية متكاملة تشمل المؤسسات التعليمية والأطر التربوية والإدارية والمناهج الدراسية والوسائل الديداكتيكية، وغيرها من المكونات التي تتقاطع فيما بينها لتحقيق غاية جوهرية متمثلة في بناء أجيال فاعلين مؤثرين بشكل إيجابي يسهمون في الرقي وتطور مجتمعهم، من خلال مساعدة المتعلمين على بناء معارفهم وتنمية قدراتهم ومهاراتهم وإعدادهم لتحمل مسؤولياتهم تجاه وطنهم، إلا أن هذه الغايات الكبرى للمنظومة التربوية تعترضها مجموعة من الإشكالات البنيوية التي تحول دون مسايرتها للتطور التكنولوجي، خاصة الشق المتمثل في الذكاء الاصطناعي وكيفية استثماره بشكل ناجع في سبيل تطوير المنظومة التربوية، ولعل من أهم هذه الإشكالات: ضعف جودة التعلمات، واتساع الهوة الرقمية بين المتعلمين، فضلا عن محدودية تكوين المدرسين في مجال التقنيات الحديثة، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود مختلف الفاعلين؛ بدءا بالوزارة الوصية والمجتمع المدني والجمعيات الثقافية، لإحداث إصلاحات عميقة قادرة على إحداث تفاعل مع هذا التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.

لقد حدثت تحولات هامة في مفهوم الرقمنة خلال العقدين الأخيرين بفضل التطورات التكنولوجية الحديثة، خاصة في نظم المعلومات، وما أعقبها من تغيرات أفضت إلى ابتكار  الذكاء الاصطناعي: وهو محاولة الأنظمة والآلات الرقمية كالحاسوب محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء، من خلال تثبيت خوارزميات وبرمجيات، تمكن هذه الأجهزة المزودة بهذه التقنية من التعلم والتحليل واتخاذ القرارات، وغيرها من الإمكانيات المتاحة للعقل البشري، وهو ما أصبحنا نلمس جانبا منه في المنظومة التربوية، حيث طفت في الآونة الأخيرة مجموعة من التطبيقات التعليمية الذكية، التي أسهمت في تحسين العملية التعليمية التعلمية، من بينها:
أنظمة التعليم الذكية التي تقدم محتويات مخصصة حسب مستوى المتعلم.
الروبوتات التعليمية والمساعدون الافتراضيون الذين يساعدون في التفاعل داخل الأقسام الدراسية
تطبيقات التصحيح الآلي وتحليل بيانات التعلم التي تمكن من تقويم تعلمات المتعلمين، وتتبع مساهم الدراسي (مسار)
إن الرهان على إدماج الذكاء الاصطناعي في منظومة التربية والتكوين، من شأنه أن يحدث إضافة نوعية على مستويات عدة يمكن حصرها فيما يلي:
على المستوى البيداغوجي: الانتقال من التعليم التقليدي المرتبط بالإلقاء والتلقين، إلى تعليم حديث يعتمد التجديد في الوسائل الديداكتيكية الرقمية، وطرائق التدريس وأساليب التقويم، مما يمكن من استحداث نمط التعليم الذاتي ونمط التعليم عن بعد. 
 
على مستوى التكوين: إن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المنظومة التربوية، يحتم على المسؤولين تأهيل الأطر الإدارية والتربوية، من خلال تمكينهم من دورات تكوينية في مجالات التكنولوجيا التربوية، خاصة الجانب المرتبط بالذكاء الاصطناعي.   
 
على المستوى الاجتماعي: تجسيدا لمبدأ دمقرطة المعرفة والمعلومات، فإن الذكاء الاصطناعي يشكل عنصرا مهما في تقليص الفجوة بين المتعلمين، ويحقق مبدأ تكافؤ الفرص بينهم للحصول على المعرفة الرقمية. 
 
على المستوى القيمي الإنساني: ويتمثل في التأكيد على أهمية العنصر البشري في تطوير منظومة التربية والتكوين، وتحسين جودة تعلمات التلاميذ، فمهما بلغ الذكاء الاصطناعي من أهمية لا يمكنه أن يعوض المدرس. 
 
إن الذكاء الاصطناعي بما يتيحه اليوم من إمكانيات قادر على المساهمة في إحداث نقلة نوعية داخل المنظومة التربوية من جهة، وتطوير قدرات المتعلمين من جهة أخرى، وذلك لن يتأتى إلا من خلال وجود إرادة حقيقية للجهات المسؤولة عن هذا القطاع الحساس الذي به يقاس مؤشر التنمية في المجتمعات، وفي مقدمتها الوزارة الوصية، والعمل على توظيفه بوعي ومسؤولية، وبالتالي فمواجهة رهانات الذكاء الاصطناعي يظل رهين اتخاذ إجراءات تمس عمق الإشكالات التي تواجه المنظومة التربوية بصفة عامة، وأهمها: 
إعادة التفكير في المناهج الدراسية والتي يجب أن تواكب مستجدات العصر، وأن ترتبط بالحياة الواقعية للمتعلم.
تكوين الأطر التربوية في هذا المجال.
وضع خارطة طريق واضحة المعالم لرؤية رقمية شاملة.  
الذكاء الاصطناعي ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة لتلبية حاجيات الإنسان، وتمكينه من الوسائل الكفيلة لتحرير طاقاته الإبداعية، والرهان الأكبر هو العمل على إحداث توازن بين الذكاء الاصطناعي والذكاء الإنساني لبلوغ الغاية الأسمى: تعليم ذي جودة للجميع.
 
 
المصطفى عبدوس/ طالب باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم الإنسانية بالرباط / جامعة محمد الخامس بالرباط