عبد الجليل أبو المجد: الفصحى والدارجة.. الجدل القديم الجديد!

عبد الجليل أبو المجد: الفصحى والدارجة.. الجدل القديم الجديد! عبد الجليل أبو المجد
في السنوات الأخيرة كثرت اللقاءات والنقاشات في المغرب حول التعليم والدارجة ) العامية( ، من ضمنها اللقاء الذي نظمته مؤخرا أكاديمية المملكة المغربية حول موضوع الكتابة بالدارجة.
 
هذا اللقاء أثار نقاشا واسعا في الأوساط اللغوية والثقافية، نظرا للرمزية الخاصة لأكاديمية المغرب، التي تمثل المغرب في اتحاد مجامع اللغة العربية وتعد منبرا للحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية الوطنية. فما هي الدعوة إلى الدارجة والكتابة بها؟ وما هي أهدافها الخفية والمعلنة؟ وعن أي دارجة نتحدث؟
 
إن هذا النقاش اللغوي الذي وصل المغرب متأخرا ليس جديدا. بدأه المستشرقون الغربيون منذ نهاية القرن التاسع عشر. لعل من أهمهم الألماني ولهلم سبيتا، والإنجليزي سلمون ولمور، والفرنسي لويس ماسينيون، هؤلاء وغيرهم كثيرون سعوا إلى إقصاء الفصحى من الحياة الثقافية والفكرية والعلمية والأدبية، وذلك من خلال دعوتهم الشهيرة إلى إحياء الدارجة وضبطها لتحل محل الفصحى في هذه المجالات وتحديدا في المجال الأدبي، وكانت حجتهم في ذلك أن العربية الفصحى هي لغة صعبة وجامدة، وغير صالحة لمواكبة العصر ومسايرة حركة التقدم المنشودة في العالم العربي.
 
وهذه الدعوة إلى الدارجة حركتها دوافع استعمارية لا علاقة لها بالعلم والفكر والمنطق، فقد رعتها بعض القوى الاستعمارية والمراكز الاستشراقية منذ عقود طويلة، ساعية إلى إضعاف الصلة بين العرب ولغتهم، وبالتالي إضعاف مشروعهم الثقافي والوطني.
 
وبالطبع لم تقتصر الدعوة إلى الدارجة على الغربيين فقط، بل تركت هذه الدعوة أيضا صدى كبيرا في أوساط المثقفين والأدباء العرب، فظهر لها أنصار وتبناها بعض المثقفين منهم على سبيل المثال لطفي السيد وسلامة موسى ولويس عوض، وغيرهم من الداعين إلى الكتابة بالدارجة بدلا من الفصحى.
 
وقد حاول أنصار ودعاة الدارجة إقناع الناس بأن الاختلاف بين لغة الحديث والتواصل (الدارجة) ولغة الكتابة (الفصحى) هو سبب ضعف المستوى التعليمي عند المتعلمين في البلاد العربية، وقالوا إن اللغة العربية الفصحى لغة النخبة المثقفة والإبداع ليس مقصورا على هذه النخبة، لذلك دعوا إلى الكتابة بالدارجة وتعليمها في المدارس كي يسهل على الناس، عامتهم وخاصتهم، التواصل بالدارجة في التواصل والكتابة معا، وهذا سيتيح لعموم السكان، عرب وأمازيغ الإبداع بالدارجة، باعتبار اللغة العربية الفصحى لغة صعبة، لا تسعف على الإبداع والاختراع.
 
ومن المعروف أن الدارجة المغربية تعد مزيجا بين اللغة العربية واللغة الأمازيغية، وهي لغة شفوية يتحدث بها المغاربة ويتواصلون دون أن يكتبوها. كما أن الدارجة متنوعة، وتختلف في البلد الواحد باختلاف طبقات الناس وتنوعهم الاجتماعي ولهجاتهم فهناك: لهجة الشمال ولهجة الجنوب، ولهجة الفلاحين، ولهجة العمال، ولهجة الطبقة البرجوازية. وهذا التباين الاجتماعي ليس له حضور في اللغة العربية الفصحى.
 
باختصار، هذه الدعوة والنقاش المحتدم الذي عرفته دول المشرق العربي في نهاية القرن التاسع عشر، حول كتابة الدارجة والكتابة بالحرف اللاتيني بدل الحرف العربي، انتهى بالفشل في المشرق العربي سواء في العراق أو في مصر أو لبنان، وبالتالي مآله في المغرب أن يفشل.
 
وكما قال عباس محمود العقاد في كتابه (ساعات بين الكتب) ص131: "إن في كل أمة لغة كتابة ولغة حديث، وفي كل أمة لهجة تهذيب ولهجة ابتذال، وفي كل أمة كلام له قواعد وأصول، وكلام لا قواعد له ولا أصول، وسيظل الحال على هذا ما بقيت لغة وما بقي ناس يتمايزون في المدارك والأذواق" .