عبد الله أيت شعيب: مصطلح "شعب الصحراء الغربية".. خديعة لغوية تهدّد الوحدة الترابية للمغرب

عبد الله أيت شعيب: مصطلح "شعب الصحراء الغربية".. خديعة لغوية تهدّد الوحدة الترابية للمغرب المهندس عبد الله أيت شعيب
من المؤسف حقًا، أنه رغم التقدم النوعي الذي حققته الدبلوماسية المغربية خلال العقدين الأخيرين، سواء على مستوى حشد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي أو تثبيت مشروعية السيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية، فإنها لم تتمكن بعد من تفكيك واحد من أخطر الألغام المفاهيمية المزروعة في النصوص الأممية، ألا وهو مصطلح "شعب الصحراء الغربية".
 
هذا المصطلح، الذي قد يبدو للبعض توصيفًا جغرافيًا عابرًا أو مجرد لغة إجرائية تقنية، يخفي في واقعه شحنة سياسية انفصالية خطيرة، لأنه يوحي بوجود كيان بشري مستقل عن الأمة المغربية، له مقومات "شعب" قائم بذاته، منفصل في الهوية والسيادة والمصير. في حين أن الحقيقة التاريخية، والأنثروبولوجية، والجغرافية، والسياسية، كلها تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الصحراويين هم جزء أصيل من الشعب المغربي الواحد، لا يميزهم سوى موقعهم الجغرافي وخصوصيتهم الثقافية ضمن وحدة الأمة المغربية المتجذّرة عبر القرون.
 
لقد سبق لي، في عدد من كتاباتي وأبحاثي وتحليلاتي المنشورة، أن بيّنت بالأدلة الموثقة والقرائن التاريخية والشرعية أن هذا المصطلح لم يكن موجودًا في الأدبيات القانونية أو السياسية قبل سبعينيات القرن الماضي، وأنه من اختراع هندسي لغوي وسياسي دبّرته بعض الدوائر المعادية للمغرب لتأسيس وهم "الكيان المتميز" القابل للانفصال. وقد استعرضت في كتابي «المغرب في مواجهة مشاريع التجزئة ونزعات الانفصال»* (2011) وفي كتاب *" مغربية الصحراء دلائل وحقائق "، إصدار 2016، نماذج دقيقة تُظهر كيف تم توظيف اللغة الأممية نفسها لتكريس مفاهيم مضللة من قبيل "شعب الصحراء الغربية" و"تقرير المصير"، رغم أن المعنى القانوني لتقرير المصير في ميثاق الأمم المتحدة لا ينطبق على الأقاليم ذات السيادة المعترف بها دوليًا، كما هو حال الصحراء المغربية.
 
إن استمرار تداول هذا المصطلح في الوثائق الأممية، حتى في صيغ تبدو محايدة أو تقنية، يمثل ثغرة دبلوماسية ولغوية بالغة الخطورة، لأنه يزرع في الوعي الدولي فكرة وجود "شعب" متميز داخل الدولة المغربية، وهي فكرة لا تقل خطرًا عن أي مناورة سياسية أو عسكرية تستهدف وحدة التراب الوطني. فالكلمة في أدبيات الأمم المتحدة ليست بريئة: إنها تؤسس لموقف، والموقف يولّد قرارًا، والقرار قد يحدّد مصير الشعوب والدول.
 
ومن هنا، فإن التحدي المطروح أمام الدبلوماسية المغربية لم يعد مجرد الدفاع الميداني في المحافل الدولية، بل هو هجوم مفاهيمي ومنهجي يروم تصحيح المفردات والمفاهيم في الخطاب الأممي نفسه. فالمعركة اليوم لم تعد فقط على الخرائط، بل على الكلمات؛ لأن من يملك تعريف المفهوم يملك التأثير في القرار.
 
إن الدفاع عن مغربية الصحراء لا يكون فقط عبر الوثائق التاريخية والشرعية، بل أيضًا عبر تفكيك اللغة التي تُستخدم لوصف القضية. إذ لا يمكن قبول مصطلح "شعب الصحراء الغربية" في حين أن كل الوثائق المخزنية والتاريخية، من البيعة إلى الظهائر السلطانية، ومن الرحلات الحسانية إلى النصوص الشرعية، تؤكد أن سكان الصحراء كانوا دائمًا جزءًا لا يتجزأ من الأمة المغربية، بايعوا سلاطينها، وشاركوا في حروبها، وأسهموا في بناء حضارتها، وأفنوا أعمارهم في الدفاع عن كيانها ووحدتها.
 
لقد آن الأوان لأن تعتمد الدبلوماسية المغربية استراتيجية لغوية موازية للاستراتيجية السياسية، تقوم على توحيد الخطاب الرسمي والأكاديمي والإعلامي في رفض هذا المصطلح جملة وتفصيلًا، واستبداله بالمصطلحات الدقيقة التي تعكس الحقيقة الواقعية والقانونية:
مثل “سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية” أو “أبناء الصحراء المغربية”.
 
فالكلمة ليست تفصيلًا لغويًا، بل هي سلاحٌ رمزي، ومن لا يملك سلاح المفهوم لن يستطيع أن يفرض احترام موقفه. ولذلك، فإن تصحيح المفردات هو جزء من معركة السيادة، لأن السيادة تبدأ من اللغة كما تبدأ من الأرض.
 
 
إن المرحلة الراهنة، بما تحمله من رهاناتٍ لغوية وقانونية دقيقة، تفرض على الدبلوماسية المغربية أن تُدرِك أن المعركة لم تعد تُخاض فقط عبر المذكرات السياسية أو الملفات التقنية، بل أيضًا عبر الكلمة والمصطلح والمفهوم. فاللغة التي تُكتب بها القرارات الأممية هي التي تُصنع بها المواقف وتُوجَّه بها الرؤى.
 
ومن هذا المنطلق، فإن الواجب الوطني يُملي على مؤسساتنا الدبلوماسية، وفي مقدمتها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن تعتمد مقاربة لغوية استباقية داخل المحافل الدولية، تهدف إلى تصحيح المفردات والمفاهيم التي تُناقض واقع السيادة المغربية، وفي مقدمتها مصطلح “شعب الصحراء الغربية”.
 
ينبغي أن يتحول الخطاب المغربي الرسمي إلى خطابٍ دقيقٍ في كل مفردة، مُوحَّدٍ في كل تعبير، بحيث لا يُترك أي هامش للتأويل أو للانزلاق المفاهيمي الذي يمكن أن يُستغل ضد مصالح الوطن.
 
إن الدفاع عن وحدة التراب المغربي لا يُقاس فقط بعدد البيانات الصادرة أو المواقف المؤيدة، بل بقدرتنا على تحصين المفاهيم التي تصوغ رؤيتنا داخل النصوص الأممية. فحين نُقنع العالم بأن أبناء الصحراء المغربية هم مواطنون مغاربة يمارسون حقهم في التنمية والديمقراطية في إطار السيادة الوطنية، نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو ترسيخ الاعتراف الدولي النهائي بمغربية الصحراء.
 
فالكلمة موقف، والموقف مصير، ومن يُحسن صياغة لغته يحسن الدفاع عن وطنه.
والمغرب اليوم في حاجة إلى دبلوماسية لغوية بقدر حاجته إلى دبلوماسية سياسية، لأن السيادة — في نهاية المطاف — تُصان بالعقل كما تُصان بالحدود.
 
وهذا التوجّه اللغوي والدبلوماسي لا يخرج عن روح الرؤية الملكية السامية التي عبّر عنها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه في خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2014، حين دعا إلى الوضوح في الانتماء والصدق في الولاء، ونبّه إلى خطورة الازدواجية في المواقف بين من «يضعون رجلاً في الوطن إذا استفادوا من خيراته، ورجلاً مع أعدائه إذا لم يستفيدوا».
 
فكما حذّر جلالته من المتاجرة بالقضية الوطنية في الداخل، فإنّ من الواجب اليوم أن نحذر أيضًا من المتاجرة بها في اللغة الأممية، لأنّ المصطلحات المنحازة ليست بريئة، بل قد تتحول إلى أدواتٍ لتقويض السيادة وإضعاف الموقف الوطني من الداخل.
 
إنّ الوضوح الذي طالب به جلالة الملك في الانتماء، يجب أن يمتدّ إلى الوضوح في الخطاب، والصدق في التعبير، حتى تكون الكلمة المغربية في المنتظم الدولي انعكاسًا صادقًا لثوابت الأمة ووحدة ترابها وهويتها الجامعة.