محمد عزيز الوكيلي: "معاهدة السلام" التي بَشّر بها مستشار الرئيس ترامب.. والأفق المغربي للسلام

محمد عزيز الوكيلي: "معاهدة السلام" التي بَشّر بها مستشار الرئيس ترامب.. والأفق المغربي للسلام محمد عزيز الوكيلي
تطرّقْتُ، في مقال سابق، إلى الخبر الأمريكي المتعلق باتفاق مغربي جزائري للسلام، من نسج الإدارة الأمريكية، وقلتُ إن هذا الاتفاق، إذا قُدِّر له أن يتحقق، فسيكون المتوجِّع والمتألِّم من جَرّائه هو النظام الجزائري، لأن هذا النظام هو الذي أشعل حربا "دونكيشوتية" من جانب واحد، ظل يقارع فيها نفسه، مستخدماً أموالَ خزينته العامة، ووزراءَه، وإداراتِه، وسفاراتِه، ومخابراتِه الداخلية والخارجية، وذُبابَه الإلكترونيّ، وكل المُبتزّين الأفارقة والأمريكولاتينيين الذين ظلّوا وما زالوا يبيعون له المواقف السطحية، والسراب، مقابل حقائب الغازودولار السائبة... ولأنه وحده الذي لم يكفه صنع ميليشيات البوليساريو وتمويلها وتموينها وتسليحها وتدريبها للنيل من جاره الغربي... والبقية يعلمها الخاص والعام!!
 
أما المغرب، وكما أكدت ذلك في ذات المقال، فلم يزد شيئا عن الاستمرار في مد يده، لذلك النظام ذاته، من أجل مُصالحة "تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف"، كما أكد جلالة الملك ذلك بكل أريحية، وبالتالي فليس للمغرب، اليوم أو غداً، ما يمكن أن يُقلقَه، أو يقضَّ مضجعه، مما قد تُسفر عنه هذه المحاولة الأمريكية المشكورة، والتي جاءت في صورة اقتراح تسوية، ولكنه اقتراح مبطّن يحمل في طياته عوامل الإجبار والإكراه، لأن النظام الجزائري ليس له في هذا التوجه الأمريكي أدنى خِيار، فإما القبول به، كما هو، وإما توقع الخضوع لعقوبات موجعة، قد تصل في خطورتها إلى درجةٍ لا يتمناها أحد لبلد عربي أمازيغي مغاربي وإفريقي ومتوسطي، ألا وهي التقسيم الجغرافي والديموغرافي، الذي تؤيّده وتزكيه دلائل التاريخ والجغرافيا والمكوّنات الإثنية والسلالية في ذلك البلد، الذي لم ينعم أبدا بنعمة الوحدة والاتحاد، بخلاف الحالة المغربية، المتناغمة والمنسجمة فيما بين مكوناتها المتعددة داخل الوحدة، ليس اليوم أو الأمس، وإنما منذ ليل التاريخ المغربي التليد!!
 
السؤال المطروح الآن، هو حول الصيغة التي سيُدلي المغرب من خلالها بموقفه من المشروع الأمريكي، وهو يرى ويسمع عن شروط جزائرية تتداولها وسائل إعلامهم وذبابهم الإلكتروني، الذي لا يتحرك إلا بأمر مباشر من مخابرات عبلة، أو رأساً من لدن الرئيس الفعلي لتلك الدولة، "غير السعيد شنقريحة"!!
 
 تلك الشروط الجزائرية، العجائبية، تتمحور حول تقديم المغرب اعتذاراً رسمياً، بالمفهوم الدولي والأممي لهذا الاصطلاح، لماذا؟.. وعمّاذا؟.. الله وحده يعلم!!
هل نقدم للنظام الجزائري اعتذاراً رسمياً لأنه طرد شر طردة أربعاً وخمسين ألف أسرة مغربية، حوالي ثلاثمائة وخمسين ألف نفر، في "مسيرة سوداء" سنة 1975، نكايةً في "المسيرة الخضراء" المظفرة، وذلك في صبيحة عيد الأضحى، والعباد منهمكون في سلخ وتقطيع أضحياتهم وسط زغاريد النسوة وتهاليل الأطفال وشقاواتهم البريئة، ليجد هؤلاء جميعاً أنفسهم حُفاةً عُراةً على طول حدودنا الشرقية، حتى أن معظمهم كانوا بلباس النوم وأيديهم وستراتهم ملطخة بدماء الاضاحي؟! 
هل نعتذر لهم لأنهم دبّروا ونفذوا مجزرة فندق "المغرب آسني" بمدينة مراكش، ثم أتبعوا فعلتهم تلك بالهروب إلى الأمام عن طريق اتخاذهم قرار إغلاق الحدود البرية من جانب واحد، بدعوى رفضهم فرضنا للتأشيرة على مواطنيهم، تَحسُّباً لوقوع مجزرة مماثلة، في عز تهديداتهم اليومية بإشعال نيران الفتنة داخل مدننا وبوادينا وصحارينا الأصيلة؟!
 
أم هل نعتذر للنظام الجزائري لأنه جعل وزاراته وسفاراته مملوكةً، قلباً وقالباً، لميليشياته الجنوبية، الحاملة سطحياً لمُسمّى البوليساريو، وتسليحه وتدريبه إياها وتمكينه لها من الدعم التقني واللوجستي "الصيني الماوتسي"، و"المصري الناصري"، و"الكوبي الكاستري"، و"البوليفي الغيفاري"، و"الليبي القذافي" والجنوب إفريقي... ثم الإنفاق على كل ذلك طوال نصف قرن من الزمان، بما يفوق الخمسمائة مليار دولار... لمجرد كسر شوكة المغرب وتركيعه أو على الأقل، لإعاقة تقدمه ونموّه وطنياً وإقليمياً وجهوياً وعالمياً، والتجاوز من لدننا عن كل ذلك والاعتذار عنه كأننا نحن مُرتكِبوه؟!
 
أم هل نعتذر للنظام الجزائري لأنه يتحيّن الفرص ليقتل شبابنا عن طريق رميهم بالرصاص الحي، كما وقع في كل من الحدود البحرية بمنطقة السعيدية، والحدود البرية المتاخمة لفجيج؟!
 
أم تُرانا مُطالَبين بالاعتذار، لذلك النظام، عن إقفاله الحدود الجزائرية المغربية الجوية في وجه طائراتنا المدنية، قبل العسكرية، مباشرةً بعد قطع علاقاته الدبلوماسية معنا واستبعاده سفيرنا من الجزائر العاصمة بلا أدنى مبرر مشروع ومعترَف به من وجهة نظر القانون الدولي، الذي لا يفهم فيه ذلك النظام إلا بقدر فهم صاحب دكان البقالة أو الخضار أو اللحمة بقوانين الفيزياء الطاقية والكونية، مع صادق الاعتذار لأهل هذه الحرف الحيوية والنبيلة؟!
 
هل يُعقَل لنظام مارس كل هذا العَداء، وكل هذه العدوانية ضدنا، أن ينتظر منا تقديم الاعتذار له أمام المجتمع الدولي، بكل ما ينوء به هذا الانتظار من بجاحة وقلة حياء، ومن غياب يكاد يكون كلّياً للضمير والأخلاق والذِّمّة؟!!
 
بيد أن الذي أعجبني، وأنا أناقش مع نفسي مشروع السلام الأمريكي، المترقب بثُّ فحواه في حدود الأيام السّتّين القادمة، أنّ بعض اليوتيوبر المتتبعين والمحللين، من العرب خاصة، قدموا تصوراتهم بخصوص ما سمّوه "شروطاً مغربية مستحَقًة"، ومحتملة، أحصاها أحدهم ثمانيةَ عشر شرطاً، تتمحور كلها حول اعتذارٍ للنظام الجزائري له ما يبرره دولياً، مصحوبٍ بالتعويض المادي والمالي والمعنوي عن كل الاعتداءات التي ارتكبها ذلك النظام في حقنا، وعن المآسي التي تمخضت عنها في صفوف مواطنين مغاربة كل ذنبهم أنهم وَثِقوا بقِيَم حُسْن الجوار، وتمسّكوا بمبادئ الاحترام اللازم والواجب لآصرة الرّحِم، والدم الواحد، والتاريخ والمصير المشترَكَيْن!!
 
ويبقى القول... إننا نحن المغاربة ليس من عادتنا أن نَركب على الأحداث، مهما أتَتْ رياحُها بما تشتهيه سُفُنُنا، لأننا أبناء أصول، ولأن لنا جذوراً تتغلغل في تربتنا منذ ليل التاريخ، ولذلك نعفو عند المقدرة، ونصفح عند القوة والغَلَبَة، ونبني للآتي بما أمر الله به من التسامح والتعايش والتساكن، ومن التسامي طلباً للمعالي... وذاك دأبنا منذ بداية نشأة إمبراطوريتنا العتيدة... 
إياكِ أعني.. واسمعي يا جارة!!!
محمد عزيز الوكيلي،  إطار تربوي متقاعد.