منذ سبعينيات القرن الماضي، كان هناك رجل واحد ظلّ حاضرا في كل المدرجات ، في كل بطولة، وفي كل لحظة عاش فيها المغاربة فرحا أو انكسارا مع منتخبهم الوطني.
إنه فلاح، ابن أحد احياء الرباط الهاشمية، الذي حمل راية الوطن في قلبه قبل أن يحملها في يده، وجعل من تشجيع المنتخب المغربي عهدا شخصيا لا ينكسر، مهما تغيرت الفصول ومهما تقلبت الأحوال.
من ملاعب الدار البيضاء إلى القاهرة، من تونس إلى داكار، من الدوحة إلى موسكو، ظل فلاح يرافق “الأسود” في ترحالهم الطويل، مؤمنا أن الوطن لا يحب من بعيد بل يحب من الميدان، من بين الجموع، من قلب المدرجات.
لم يكن يوما يبحث عن صورة أو شهرة، بل عن لحظة فخر تعيده إلى ذلك الطفل الصغير الذي وعد نفسه يوما أن يظل وفيّا للراية الحمراء بخضر نجمها الخماسي.
ورغم أن حياته انقلبت رأسا على عقب، ورغم ما عرفه من مصاعب قاسية ومسارات غير سهلة فإن فلاح لم يبدل ولم يغير. فقد ظل كما كان: بسيطا في مظهره، كبيرا في روحه، كهلا لم يخن عهد طفله الداخلي، رجلا من جيل آمن أن الوطنية ليست شعارا يرفع، وإنما سلوك يعاش وولاء يورث. لكن السنوات الأخيرة حملت معه قسوة لم يستحقها.
تعرض فلاح للتنمر والسخرية، ووصف ظلمًا بـ “نذير الشؤم”، وكأن إخلاصه أصبح تهمة، وكأن حضور القلب عيب. إلا أن الأقدار، التي لا تخطئ ميزانها، ردت له الاعتبار اليوم. فـالمغرب بطل العالم، وفلاح حاضر كما كان دائما، لتسقط بذلك كل الأوهام وتعود الحقيقة إلى مكانها الطبيعي: فلم يكن فلاح شؤمًا، بل كان بلسما وبركة الوفاء التي لا تراها إلا القلوب النقية.
إن تكريم هذا الرجل ليس مجرد لفتة رمزية، بل واجب وطني نبيل.
فلاح يستحق وسام الشرف الملكي، عرفانا لتفانيه ونبله وإخلاصه الذي دام لأكثر من خمسة عقود.
فهو ليس مشجعا فحسب، بل ذاكرة وطنية حية، تختصر في وجهها ملامح الصبر المغربي، وفي دمعتها معنى الانتماء الصادق، وفي تحيتها العسكرية في المدرجات أبهى صور الوطنية الهادئة. وباسم كل مغربي نبيل، نقول لك عذرا إن قصرنا في حقك… وشكرا لأنك علمتنا أن حب الوطن لا يورث من الدم فقط بل من القلب.