لحسن العسبي: تطاول رشيد عشعاشي على المهدي بنبركة ومتلازمة "الوعي الشقي"

لحسن العسبي: تطاول رشيد عشعاشي على المهدي بنبركة ومتلازمة "الوعي الشقي" لحسن العسبي ورشيد عشعاشي والمهدي بنبركة

استضاف الزميل رضوان الرمضاني مدير إذاعة ميد راديو (الإذاعة الخاصة التي تسجل أعلى نسب متابعة بالملايين في المغرب اعتمادا على نتائج مؤسسة ماروك ميتري)، ضمن برنامجه السجالي "بدون لغة خشب"، المواطن المغربي رشيد عشعاشي على خلفية ما بدأ يسجله من مواقف على موقعه الشخصي على اليوتوب، التي خلقت ردودا مختلفة، في تقاطع مع ما يعرف ب "ظاهرة جيل ز".

جديا ما كنت لأناقش السيد رشيد عشعاشي لو كان الأمر يتعلق بخرجة من خرجاته على اليوتوب، التي نعلم جميعا أن إثارة بعض المواقف في محمول مماثل غايته الأولى هي تحقيق "البوز". لكن حين يكون الأمر في إذاعة هي الأولى استماعا في المغرب فالأمر يفرض المناقشة والتحليل. وهي الإذاعة المحترفة مهنيا التي فسحت له مساحة محترمة ليصدر عن مواقف معيبة بخصوص الزعيم الوطني المغربي الكبير المهدي بنبركة (دون أن يلزم الزميل الرمضاني ضيفه وجوبا بأن كلامه يخصه ولا تتبناه إذاعة ميد راديو).

إن من ينصت لمنطوق خطاب رشيد عشعاشي لا يمكنه أن يخطئ انتباهه أن الرجل يصدر عن "وعي شقي"، وأن يشفق عليه لأن له مشكلا تواصليا مع ذاته حين سمح بتصنيف نفسه "مفكرا عضويا" غرامشيا (حتى والمفكر والمناضل الإيطالي غرامشي يتحدث عن "المثقف العضوي" بالمعنى السياسي اليساري وليس عن "المفكر العضوي" للاختلاف الهائل بين المفهومين)، والحال في مقامات مماثة فالآخرون تأسيسا على سيرتك ومواقفك وآرائك من يصنفونك "مثقفا عضويا" أو نقيضه. بالتالي فالرجل يعاني من إحساس "عدم الرضى" على "الإسم"، بدليل حجم تيرمومتر الإنفعال اللفظي والحركي الذي يصدر عنه حين يثار الأمر أمامه (كما فعل معه الزميل الرمضاني).

لقد تفضل رشيد عشعاشي على متتبعي برنامج "بدون لغة خشب" باتهام الزعيم الوطني المهدي بنبركة بأنه كان عميلا للجزائر وكوبا وأن أعمامه (الضابطان السابقان بجهاز المخابرات المغربية رحمهما الله على عهد الجنرال محمد أوفقير) قاما فقط ب "واجبهما الوطني". مما ينتج الخلاصة المعيبة أن أعمامه "وطنيان" وأن بنبركة ليس وطنيا بل أكثر من ذلك يفهم من معنى كلامه أنه "خائن". وهذا تطاول كبير ووقح على الرجل وعلى ذكراه. لو كنت مكان السيد عشعاشي لقلت إن أعمامه قاما ب "واجبهما المهني" وليس الوطني، أي أنهما مرؤوسان ينفذان أوامر قيادة الجهاز الذي يعملان به. لكن الذكاء خان صاحبنا، لأنه منفعل ويصدر عن مركب "وعي شقي".

إن أحسن من يدافع عن المهدي بنبركة هو المهدي بنبركة نفسه، بسيرته ومنجزه الوطني الكبير وتاريخه الناصع. وأن أحسن من يدافع عنه هو أن قضيته من حيث هي قضية حقوقية بامتياز لا تزال مطروحة بمرجعية دولية ما لم تنجلي الحقيقة كاملة حول ما جرى ما بعد اختطافه بباريس يوم 29 أكتوبر 1965. بالتالي فإن ضيف إذاعة "ميد راديو" قد قدم خدمة جليلة للمهدي بنبركة من حيث لم يحتسب، لأنه منح لملفه أن يعود مجددا للواجهة من باب أنه ملف حقوقي بمقاييس عالمية يدين مرتكبي جريمة اختطافه واغتياله ، وفي ذلك دليل على قلة فطنته.

مهم هنا أن نذكر أنفسنا جميعا بمنطوق الرسالة الملكية التي بعثها جلالة الملك محمد السادس إلى مهرجان الذكرى الخمسين لاختطاف بنبركة، الذي نظمه رفيقه الكبير عبد الرحمان اليوسفي يوم الجمعة 30 أكتوبر 2015 بالمكتبة الوطنية بالرباط، وحمل الرسالة مستشار جلالته الأستاذ عمر عزيمان وشارك فيه المناضل الجزائري الأخضر الإبراهيمي وزبدة من رجالات الفكر والسياسة المغاربة. بل إننا نحيل السيد رشيد عشعاشي على منطوقها البليغ التي كل كلمة فيها بميزان من ذهب، لينعش ذاكرته ويتعلم ويستفيد وألا يتطاول بخفة على سيرة الرجال من قيمة الزعيم الوطني المغربي المهدي بنبركة.

أليست تقول رسالة جلالة الملك:

" (...) إننا نستحضر معكم، قبل كل شيء، أنه كان رجل سلم، كما كان قريبا من العائلة الملكية.

ورغم أن هذه الذكرى تأتي في وقت ما تزال فيه العديد من التساؤلات مطروحة دون إجابات، فقد حرصنا على مشاركتكم هذا الحدث، دون عقدة أو مركب نقص من هذه القضية، تقديرا لمكانته لدينا ولدى المغاربة (...).

إن الدول تبنى على تاريخها، بإيجابياته وسلبياته، وشعب بلا تاريخ هو شعب بلا هوية، ولن يكون له مستقبل.

لذا، فإنه يجب استخلاص الدروس والعبر من قضية ابن بركة، وجعلها في صالح الوطن، لتساعدنا على البناء وليس على الهدم.

وهنا أستحضر ما قلته في خطاب تنصيب هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004، حيث أكدت أن الشعب المغربي لا يتهرب من ماضيه، ولا يظل سجين سلبياته، بل يعمل على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لبناء مجتمع ديمقراطي وحداثي (...).

وها أنا اليوم، وبعد مرور السنوات، أتوجه إليكم، من جديد، لأؤكد أن الملكية بالأمس كما اليوم، متشبثة بالتلاحم مع مكونات الأمة، شريطة الالتزام بالثوابت والمقدسات التي ضحى من أجل الدفاع عنها العديد من المغاربة الأحرار، ومن بينهم المهدي بن بركة (...)".

إن جلالة الملك يجزم أن بنبركة كان رجل سلم (أي ليس متواطئا) وأن له لدى جلالته تقدير خاص وأنه واحد من المغاربة الأحرار.

فكيف خانك ذكاؤك لتصدر عن الذي صدرت عنه من حكم معيب كي تصفه ب "العمالة". إن قراءة التاريخ لا تكون بالضغائن (حتى لا نقول شيئا آخر). تحرر من وعيك الشقي، خاصة وأن لك من الملكات ما يكفي لتكون باحثا أكاديميا محترما وجيدا. وإذا كان لابد لك من أن تدلو بدلوك في ملف كبير من حجم ملف المهدي بنبركة فكن طرفا مساعدا في كشف الحقيقة عن مصيره وعن حيثيات الجريمة التي استهدفته، ولا تنسى أنك حين تزور قبر والدك وقبور أعمامك للترحم عليهم وهم عند ربهم، فإن أبناء المهدي بنبركة لا يملكون هذا الحق الإنساني منذ 60 سنة.